لأيٍّ الدّور الأساس في تنشِئة وتربية الأفراد في المجتمع: للأسرة أم المدرسة أم مؤسسة التعليم العالي؟
الجواب السّريع، وأحياناً بعد تفكير مُعمّق، الذي يصرّ عليه «بعضهم»، أنّ الدور الأساس هو للأسرة؛ فالأسرة أوّل من تستقبل المولود وتعتني به، جسدياً ونفسياً وعقلياً وروحياً؛ وهي التي تكون الأسبق زمنياً في تشكيل لغة الفرد وتطوير قدراته وتنمية مهاراته وغرس قِيَمِه وتوجيه تصرّفاته والتأثير في ميوله.
أليس كذلك؟
والجواب هو «نعم» و«لا» في نفس الوقت؛ وليس نعم فقط.
نعم، لأن للأسرة دورٌ كبير في تربية أفرادها وتنشئتهم، ومتابعة نموّهم وتطوّرهم عن كثب.
ولا، لأن تربية الأفراد ليست منوطة بالأسرة فقط، وليست حكراً عليها. والأهمّ من ذلك أن الأسرة، في أحسن أحوالها، قد تقوم بالكثير في هذا السياق، لكنها ليست قادرة على فعل كامل المطلوب.
فهنالك مهام أساسية تتعلق بالتنشئة والتربية ليست من اختصاص الأسرة أصلاً، بل اختصاص المدرسة ومؤسسة التعليم العالي، والمؤسسات الاجتماعية والثقافية أو التثقيفية الأخرى.
ومن هنا، فعند الإجابة على السؤال المطروح أعلاه لا بد من التفريق بين قوْل إن للأسرة «دورٌ أساس» أو «أساسيّ» في التنشئة والتربية، وقوْل إن للأسرة «الدّور الأساس» أو «الأساسي»، وهنالك فرق كبير يُحدثه استعمال «ال» التعريف.
هذه نقطة مهمة وَجبَ التّنبه لها.
أما النقطة الثانية فتتمثل في أنّ التأكيد على دور الأسرة، أيّ أنّ لها «الدور الأساس»، يُقال أحياناً وربما غالباً، عندما يحاول المعنيّون بالتنشئة والتربية في المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية والمجتمعية الأخرى تبريرَ عدم قدرتهم على التأثير في الأفراد، أو تنصّلهم من الدور المطلوب منهم؛ فيدفعون به صوب غيرهم.
من هنا تجدهم يُلقون باللائمة على غيرهم، أي على الأسرة بالدرجة الأولى، فيقولون: «يا أخي، الأسرة هي الأساس!!» وأحياناً، اعتماداً على المتحدث، يقع اللوم على أكثر من جهة. فإذا كان المتحدّث أحد المعنيين في مؤسسات التعليم العالي، فيوقِع اللوم على » الأسرة والمدرسة'؛ وإذا كان من أحد المؤسسات المجتمعية، فتجده يلوم: «الأسرة والمدرسة والجامعة'؛ وإذا كان من خارج هذه المؤسسات كلّها، فتُلام «الأسرة والمدرسة والجامعة ومؤسسات المجتمع المعنية» ؛ وأحياناً «المجتمع» أو «الثقافة» عموماً!!
والنقطة «الأساس» أو «الأساسية» (باستخدام «أل» التعريف) التي نودّ التأكيد عليها هنا أن المسؤولية مشتركة وتكامليّة ولا يُمكن أن تُجزّأ: فهنالك دور أساس خاص بالأسرة، ودور أساس خاص بالمدرسة، ودور أساس خاص بالجامعة أو كلية المجتمع، ودور أساس خاص بجميع المؤسسات الاجتماعية المعنيّة بتعليم الفرد وتوعيته وتنشئته وتثقيفه وتربيته.
هذا من جانب، أما من جانب آخر، فتماماً كما أنّ المدرسة لا يُمكن أن تقوم بالدور الذي تقوم به الأسرة، فإن الأسرة لا يمكن أن تقوم بالدور المنوط بالمدرسة. وكما أن الجامعة لا يُمكن أن تقوم بما تقومه به الأسرة والمدرسة، فإن الأسرة والمدرسة لا يمكن أن تقومان بما تقوم به الجامعة؛ وهكذا دواليك!
إنّ مسؤولية تنشئة وتربية الأفراد هي مسؤوليةٌ مُشتركة وتكاملية وغير مُجزّأة، ولا يجوز لأحد التّنصّل منها أو «إزاحتها» على غيره.