كتاب

الحرب على أكرانيا والحرب على الضّفة الغربيّة

صَدَّعَتْ وسائل الإعلام العربيّة والعالمية رؤوسنا في الحديث عمّا تسمّيه الحرب الروسيّة على أكرانيا وأغفلت أو تعامت عن الحرب التي يشنّها الاحتلال الصهيوني على الضفّة الغربيّة بمدنها وقراها ومخيّماتها وترابها وحجارتها وإنسانها ومقدّساتها.

الفرق بين الحربين فرقٌ شاسع والخطورة التي تنطوي عليها الحرب على الضفّة الغربيّة أضعاف ما تنطوي عليها حرب روسيا على أكرانيا على الأقل من زاوية المصالح العربيّة والإسلاميّة.

في الحرب الروسية على أكرانيا- كما يطلقون عليها- يوجد فعلٌ وردُّ فعلٍ يكاد يكون موازياً، لأنّ لدى أكرانيا جيشاً وأسلحة عصرية ودعماً متواصلاً وسلاحاً متدفقاً من أمريكا وأوروبا، ولدى أكرانيا إمكانيات هائلة للردّ على الهجمات الروسيّة أو التصدّي لها.

أمّا الحرب الصهيونية على الضفّة الغربيّة فهي حربٌ يشنّها جيش من أكثر جيوش العالم تسليحاً وحقداً ضدّ شعبٍ أعزل لا يملك أكثر من سكاكين وبنادق قليلة لا يحصل على شيء منها إلاّ بعد عناءٍ شديد بعيداً عن طائرات التجسّس وعيون العملاء والجواسيس وعيون كاميرات المراقبة.

الحرب التي يشنّها المحتلّون على الضفّة الغربيّة تجد دعماً لا ينقطع من الدول ذاتها التي تقدّم دعماً لا ينقطع لأكرانيا، بينما الفلسطينيون في الضفة الذين تهاجمهم قوات الاحتلال الصهيوني لا يصلهم أيّ دعم من أيّ جهةٍ لأنهم تحت حصار خانق لم يشهد التاريخ له مثيلاً.

وفي الحرب على أكرانيا يستطيع الأكرانيّون أن يردّوا على الهجمات التي يتعرّضون لها مباشرة، بينما في فلسطين لا يملك الفلسطينيون بعد كلّ هجوم إسرائيلي أكثر من ملاحقة الآليات المقتحمة بالحجارة وحرق الإطارات ثم تشييع الشهداء وسط الهتافات العالية ثم إعلان الإضراب حداداً على الشهداء وقد تقع عملية طعن أو دهس أو إطلاق نار محدودة بعد عدّة أيام من الهجوم الإسرائيلي.

في الحرب على أكرانيا نجد قصفاً مقابل قصف وغارة مقابل غارة وتفجيراً مقابل تفجير، وفي الحرب على الضفّة الغربيّة تدخل قوّات الاحتلال إلى المدينة أو المخيّم أو القرية فتهدم البيوت على مهلها وتحاصر المنازل وتفجّرها وأصحابها ينظرون ولا يملكون سوى الدعاء عليهم. إنّ عمليات الهدم والتدمير والتفجير التي تتعرض لها البيوت الفلسطينية هي أكبر من عمليات التدمير التي تتعرض لها الأراضي الأكرانية وذلك قياساً على التباين الهائل في المساحة الجغرافية لكلّ من أكرانيا والضفّة الغربيّة.

ومن زاوية أخرى فإنّ ما نسمعه عن خسائر المدنيين الأكرانيين في الأرواح نتيجة حرب أكرانيا لا تزيد عن خسائر الفلسطينيين المدنيين في الأرواح، فلا يكاد يمرّ يوم في فلسطين إلاّ ونسمع فيه عن مدنيين من الرجال والنساء والأطفال والرضّع تجري تصفيتهم وقتلهم بدم بارد، بينما في أكرانيا ربّما نسمع عن جريح أو قتيل مرّة واحدة في الأسبوع.

إنّ حرب أكرانيا، إذا أردنا تقييمها منطقياً وقانونياً وإنسانياً، هي أقل خطورة وأهميّة من الحرب الشرسة التي يشنّها الصهانية على الضفّة الغربيّة وأهلها، ولذا فإنّ على العرب أن لا ينشغلوا بحرب أكرانيا على حساب الحرب الشرسة والعدوان الإجرامي الذي تتعرض له أرض فلسطين ومقدّساتها.

Email: Salahjarrar@hotmail.com