يبدو أن الجدال الذي لم ولن ينتهي تحت إطار التعليقات والمكاتبات والمناكفات فيما يخص الوضع الداخلي في الأردن سيبقى دون خلاصة، فيما الإعصار قادم يحث الخُطى ليقتلع آخر حقوق الشعب الفلسطيني المتناثر على خارطة العالم، وما يهمنا هنا هو تحذيرات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من أن مهمتها لم تعد مجدّية ولا وضوحاً في الرؤية المستقبلية لما سينتظر اللاجئين الفلسطينيين في الأردن والأراضي الفلسطينية وغزة ولبنان وسوريا.
أولى موجات اللجوء الفلسطيني للأردن كانت عام 1948 حينما كانت فلسطين آنذاك مستقلة دون راعٍ، وعلى الفور اتخذت هيئة الأمم المتحدة قرارها بإنشاء وكالة الغوث لمساعدة الفاريّن من ويلات الحرب اليهودية الظالمة التي بدأت منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى نشوء دولة الكيان، فأغدقت على ما يسمى بمخيمات اللاجئين موفور الطعام بأصناف تقيم أودّ العائلات وأطفالها ومن ثم بدأت بتركيز بقائهم من خلال بناء مساكن من الصفيح، أو ما تسمى (برّاكيات) في الأردن وبقية الأراضي الفلسطينية خارج الاحتلال الأول ولبنان في الشمال، ولكن التركيز كان?واضحاً على اللاجئين في الأردن لضمان عدم عودتهم فور انتهاء الحرب.
في العام 1950 بدأت الوكالة ببناء مساكن أكثر والتوسع في المخيمات وتأسيس مدارس للأطفال، فيما المساعدات العالمية تأتي بمختلف أصنافها ليس الطعام فحسب بل حتى الألبسة والأحذية، وكل ذلك لم يكن عطفاً على شعب هجرته الآلة اليهودية ودباباتها وطيرانها والصواريخ التي تدك بلدات الفلسطينيين، بل لإزاحة القدر الأكبر من اللاجئين والمُهجرّين كي يأخذ اليهود القادمين من شرق أوروبا ومن أمريكا في حالة استبدال غير مسبوقة.
من هناك بدأ الإحباط يتملك الرجال والشيوخ لعدم وضوح موعد للعودة من البلاد العربية نحو أرضهم وبيوتهم، وشيئا فشيئاً تلاشى حلم العودة، فاضطر الكثير منهم لتقبل الوضع الإجباري، فيما فتحت الكويت أذرعها لاستقبال الآلاف من الفلسطينيين، الذين ساهموا فيما بعد بمشاركة أشقائهم الكويتيين في البناء والتعليم والصحة والأعمال بمختلف تنوعها، ليجدوا عالماً جديداً بدأ يتفتح كزهر التفاح الذي طردوا من بساتينه غصباً، فيما في البلدان المجاورة لم يجد اللاجئون فيها أي حق من الحقوق المدنية، ومع ذلك لم تنقطع إرساليات الأونروا للجميع، ?ي صورة أشبه بالحلوى التي توزع على الأطفال لضمان صمتهم والتزامهم بالأمر الواقع.
كان الفلسطينيون آنذاك يؤكدون على حق العودة وعودة الحق لهم، لكن مع احتلال اليهود بقية الأراضي الفلسطينية من شمالها إلى جنوبها حتى نهر الأردن (الشريعة) شرقاً عام 1967، وموجة اللجوء الثاني نحو الأردن مجدداً وبعض الوجهات الأخرى، اتضحت الصورة أكثر فأكثر على أن لا عودة لأي منهم، بل إن الحكومات الإسرائيلية كانت تصّر على أن تستمر الوكالة بدعم اللاجئين بما يحتاجونه، رغم أنهم لم يساهموا بفلس واحد لصالح الوكالة، كي يبقى الوضع كما هو عليه، وبانتظار موت الكبار منهم في متوالية اندثار التفكير بالعودة إلى فلسطين، وهذا ما ?دث بكل تفكير خبيث ودعم دولّي لدولة الكيان.
الأونروا اليوم باتت عاجزة عن توفير الأموال للمدرسيّن في مدارس الوكالة على الأراضي الفلسطينية وغزة، ولبنان تعاني بالمعية، بينما فاض الكيّل بالأردن، إذ تُخصص الحكومات الأردنية المتتالية ملايين الدنانير لدعم مراكز الوكالة في الأردن، وما قد يظهر قريباً هو وقف تلك الوكالة، حيث سيكتشف الجميع كم كانت عبقرية من اخترعها لتسكين اللاجئين في أي أرض وصلوها.
ومن يتذكر الحرب الأخيرة على قطاع غزة والاقتحامات ضد المدن الفلسطينية، نرى حينها كيف قدمت الولايات المتحدة مليار دولار كمساعدة عاجلة لإبقاء سلاسل الصواريخ والرصاص مجهزّة لقتل الفلسطينيين، فيما الأردن بات عاجزاً عن توفير الأموال لبناء المدارس والمستشفيات وتقديم الخدمات العامة، وستظهر لنا قريباً مشكلة مشابهة للأونروا، وهي اللجوء السوري الذي لا نعرف متى نهايته بعد اثني عشر عاماً.
Royal430@hotmail.com