ما نشهده اليوم من تكدس أعداد كبيرة من الشباب المتعطلين عن العمل في العديد من دول العالم ما هو إلا خلل واضح في سياسات بناء القوى البشرية، وخاصة سياسات التعليم في جميع المرحل، وفي الغالب تكون خطط التعليم وتأهيل الموارد البشرية تقليدية تصمم في ضوء الواقع الحالي، دون التفكير في ما سيكون عليه المستقبل، ودون استقصاء التحولات التي ستطال الوظائف وفرص التشغيل، والمستجدات في ثقافة العمل لدى المجتمعات.
ثنائية الشهادة والوظيفة قد تكون أكثر المسلمات التي طالها التغيير، فلم تعد تتحقق هذه المسلمة بنسبة عالية، وكثير من الموظفين والعاملين في كافة القطاعات لا يعملون اليوم في وظائف ذات صلة بشهاداتهم، الشيء الذي بدأ يؤثر على البرامج الجامعية التي تتيحها الجامعات لطلبتها، عدا تغير الصبغة العامة للجامعات في العالم، فنشهد اليوم زيادة عدد الجامعات التقنية والمهنية التطبيقية، كما أغلقت العديد من التخصصات ذات الطابع المعرفي غير التطبيقي، وفي ذات الوقت يتعمق التفكير لدى الطلبة وأولياء الأمور في جدوى الدراسة الجامعية وال?اية من المسار الأكاديمي الذي سينتهي في الكثير من الأحيان بالوقوف مطولاً في صفوف المتعطلين عن العمل.
تخطيط التعليم وتطوير أستراتيجيات بناء القوى العاملة في المستقبل يتطلب التركيز على تطوير الأتجاه نحو العمل المهني، وبناء القيم الأساسية للعمل الفعال، إضافة لتطوير قدرات التعامل مع التكنولوجية وبرمجة المهام والوظائف والتعامل الرقمي، وكذلك مهارات الأتصال وأكتساب اللغات، وتعميق الممارسة المرتبطة بمهارات السوق والصناعة.
ويرى المختصون في التخطيط لمستقبل القوى العاملة أنَّ الإطار العام لأي خطة تعنى ببناء هذه القوى هو الإبداع والإبتكار واستقطاب الموهوبين، على أن تتضمن خطط الإعداد محاور أساسية كقيام الطلبة والمتدربين بعمل مشاريعهم الخاصة وإعطائهم مساحات واسعة من الأستقلالية والإعتماد على النفس، والتقييم الذاتي.
قد يكون أكثر التحولات في مجال التعليم وبناء القوى العاملة التي علينا الأستعداد لها والتفكير ملياً في كيفية استيعابها والاستجابة لها هو أن الحصول على الوظائف والمهن لا يتطلب الذهاب للجامعات والحصول على الشهادات الجامعية، وسيقتصر ذهاب الأفراد للتعليم الجامعي لغاية المعرفة فقط، أي أن التعليم الجامعي سيكون لغاية الرفاه الأجتماعي، وحتى البحث العلمي وهو أحد أهم أدوار الجامعات سيصبح دوراً للمصانع والشركات والمراكز الطبية والمؤسسات الكبرى.
التكنولوجيا الحديثة والوظائف الجديدة في سوق العمل هي المحرك الأساس والسبب الرئيس للتحولات القادمة في إعداد القوى العاملة، وشكل وطبيعة مؤسسات إعداد هذه القوى وتأهيلها، الشيء الذي سيرتب على الإدارات والحكومات أعباء كبيرة في التخطيط ووضع السياسات في التعليم والتدريب وإدارة الموارد البشرية لكي تنجح في بناء قوى عاملة قادرة على العمل في المستقبل بفعالية وتنافسية عالية.