فرضت الانتخابات الرئاسية التركية نفسها على اهتمامات الراي العام العربي بقوة، ربما بنفس الاهتمام الذي تحدثه الانتخابات في دولة الاحتلال الصهيوني! والمفارقة أن غالبية الاقطار العربية التي يهتم مواطنوها بنتائج الانتخابات التركية، تفتقر لتجربة ديمقراطية مشابهة، من حيث نزاهة الانتخابات وشفافيتها وترسيخ مبدأ التعددية السياسية.
المؤشر الحقيقي على نزاهة وجدية أي عملية انتخابية، أن تكون أرقام النتائج متقاربة بين المرشحين، كما حدث في الانتخابات التركية، التي كانت المشاركة فيها من أعلى النسب في العالم، بنسبة 88.92 في المئة من عدد الناخبين، وحصل الرئيس اردوغان على 49.51% بالمئة، بينما حصل منافسه مرشح المعارضة «كليتشدار أوغلو» على 44.88%، بمعني أن أي منهما لم يصل إلى رقم الحسم للفوز، وهو 51 بالمئة، ما اقتضى إجراء جولة ثانية يوم 28 أيار، وهكذا يحدث في جميع الدول الديمقراطية.. ولو كانت هذه الانتخابات في دولة عربية لحسمت النتيجة بسرعة بنس?ة التسعينات..!
الاهتمام بهذه الانتخابات وجد صداه عبر بعض المقالات والتعليقات في المنابر الاعلامية، لكنه بدا كاسحاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وانقسم المعلقون حول هذا الحدث بين فريقين أحدهما مؤيد بقوة لفوز اردوغان، والثاني مؤيد لمرشح المعارضة «اوغلو» ليس حبا فيه بل نكاية بأردوغان، على غرار المثل الدارج «ليس حبا في معاوية، ولكن كرها في علي"! ولا بد من طرح سؤال: لماذا هذا الاهتمام بانتخابات لا ناقة لنا فيها ولا جمل أكثر من أي انتخابات تجرى في بلد عربي؟.
وهذا الانقسام يذكرني بمشاهدي مباريات كرة القدم على شاشات التلفزة في المقاهي، حيث يتفاعل بعضهم إلى درجة تثير الضحك، ويقفزون عن مقاعدهم بانفعال شديد عندما يسجل أحد اللاعبين هدفا فيهللون ويصفقون، وإذا فشل بتسجيل الهدف يشتمونه ويحملونه مسؤولية إضاعة الفرصة، وكأنهم داخل الملعب يعيشون أجواء المباراة!.
الذين يتمنون سقوط اردوغان ينطلقون من خلفيات سياسية وايدولوجية، تتعلق بمواقف تركيا إزاء الأزمات التي وقعت في العديد من الدول العربية، مثل سوريا وليبيا وغيرها، أما من يؤيدونه فغالبا ينتمون إلى الإسلام السياسي، لكن من الإنصاف والقراءة الموضوعية التمعن بما حققه حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان من إنجازات اقتصادية واجتماعية، حيث نجح بوضع تركيا ضمن دول «مجموعة العشرين» الأكثر تقدماً اقتصادياً في العالم، وتبوأت تركيا المرتبة الأولى بين دول المجموعة بنسبة نمو قدرها 11.4٪ حققتها عام 2021، كما ارتقت إلى مصاف الدو? الكبرى في مجال الصناعات الدفاعية.
ومنذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2002، شهدت تركيا استقراراً سياسياً لم تشهده منذ عقود من الزمن، حيث انتهى زمن الانقلابات العسكرية التي كانت تحدث بكثرة، وترسخ النهج الديمقراطي والتعددية السياسية والحزبية.
يبقى الرئيس أردوغان سياسي يخطئ ويصيب وهو ليس معصوماً، بل هو من الزعماء الذين يحبون السلطة، وقد دفع باتجاه تعديل الدستور لتكريس النظام الرئاسي، بعد أن كانت سلطات الحكم بيد الحكومة البرلمانية.