خلال الفترة القصيرة الماضية حضرت أكثر من حفلة تخرج لطلبة من رياض الأطفال وسط فرحة الأهل والمعلمات في جو عائلي للصغار يشقون طريقهم نحو البداية للصفوف الأولى والتخرج من المرحلة الثانوية بتفوق وتميز ونجاح باهر.
مشاهد مؤثرة يمكن ملاحظتها في عيون الصغار وحركاتهم وانفعالاتهم وتصرفاتهم أثناء الحفل والتقييد بالتعليمات والالتزام بالفقرات المدرجة على برنامج الحفل، ولكن نظرة من طفل فاحصة نظرت للحضور وأصرت أن تخاطبني بصراحة والبوح عن رغبته في التعبير عن شعوره خارج نطاق الاحتفال والفقرات الجاهزة.
امتد الحوار بشكل مباشر عن تطلعات ذلك الصغير عما يجري من حوله من أحداث ومتابعات الجميع بخصوص كل ما يتعلق بالمعيشة ومتطلبات الحياة؛ يسمع ويشاهد الكثير، ولكنه يطلب الكثير من الاهتمام خارج دائرة الوصايا وقوالب الاحتفال الجاهزة.
يحفظ عن ظهر قلب المطلوب منه، ولكن انفعالات الكبار من حوله تؤثر عليه وعلى برنامجه وتطلعاته نحو بنود البرامج المعدة مسبقا له، للفرح تارة، والأكل تارة أخرى ونشاطات عديدة بين ذلك من ضمنها النوم المبكر.
شكا هو الآخر من التعلق بالأجهزة والهواتف المحمولة ومشاهدة الأفلام والمسلسلات لفترة طويلة، وتذمر من نمط الحياة اليومية وطالب بحلول عديدة، أهمها فسحة ووقتا مستقطعا من الأهل له شخصيا والاهتمام بما يحب ويريد.
يحب الصغير معاملته كصغير وليس كطفل كبير؛ ما يزال الوقت متاحا لمضمون التعرض لهموم أكبر من عمره واهتمامه حول الرسم على سبيل المثال وتنمية موهبته في هذا المجال وصقلها بشكل مناسب.
ما يعيب حفلات تخرج الصغار، وضعهم في قالب جاهز وذلك يزعج البعض منهم لعيش لحظات من الخروج عن المألوف والتعامل بحرية على خشبة المسرح بعفوية وبساطة وسرور؛ كان ذلك الصغير ينظر باستغراق نحو المستقبل من خلال موقعه في حفل التخرج ليرى نفسه مكان الحضور وقد تخرج فلذة كبده مثله من الروضة.
ذكريات ومواقف تعلق في ذهن الصغير وترسم في مخيلته الكثير من لوحات اللوحات والصور عن يوم التخرج و"البروفات» وتلك التعليمات والأوامر والتوجيهات للحركة والإلقاء والالتزام في القاعة وعلى المسرح، ولكن هل ذلك ما يحب ويريد الصغير؟.
هذا السؤال دفعني للكتابة عن حلم الصغار الآن وفي هذا العمر بالتحديد وخصوصا أنهم يتصرفون بشكل يفوق أعمارهم بكثير.
أتوجه بهذا السؤال أيضا للمربين داخل الغرفة الصفية عن توجهات طلبة الروضة تجاه ما يحصل حولهم من أحداث وأسلوب تفاعلهم مع القضايا العامة في الحياة والتحديات الماثلة أمام أهاليهم.
حين نسأل عن مستقبل الأمة، نتطلع إلى الجيل المنطلق نحو الحياة من رحاب الروضة وحتى الحضانة ونظراتهم الفاحصة لما يجري من حولهم بذكاء ونباهة وفطنة قد لا يمتلكها الكبار في بعض الحالات.
من خلال حفلات التخرج، يستطيع من يرغب اكتشاف عالم الخريجين من الروضة الكثير وأهمها: ما يحب ويريد الصغار بعيدا عن المظاهر وتفاصيل الاحتفال والفقرات المنوعة وربما تكلفة الحفل وبنود أخرى كثيرة.
يحب ويريد الصغار أشياء كثيرة تغيب عن بالنا، علينا معرفتها قبل فوات الأوان، وبالطبع ألف مبارك تخرج تلك الزهور من أكمامها مثل البراعم وانطلاقها للحياة؛ ما أجملها من لحظات.