أقترنت الترجمة عبر التاريخ بنهضة الأمم وإرتقائها الحضاري، وكانت الترجمة دائماَ محركاً قوياً لإنتاج المعرفة، وأداة مناسبة لفتح نوافذ جديدة على ثقافات الآخر وفهم علومه، فقد أعتمدت الحضارة العربية والأسلامية في بداية إنطلاقتها على ترجمة مؤلفات اليونان والفرس وإلإطلاع على علومهم المختلفة، والأستفادة من تجاربهم في مختلف ميادين الحياة، وفي المقابل كانت جهود الأوروبيين في ترجمة مؤلفات العلماء العرب أمثال ابن رشد والخوارزمي وابن سينا وغيرهم هي اللبنة الأولى في النهضة الأوروبية الحديثة.
وإلى جانب نقل العلوم والمعارف تعمل الترجمة على تلاقح الثقافات، وتجديد بنيتها وتخليصها من المكونات الرجعية المتخلفة، فالثقافة المنغلقة تحقق سبب موتها بإنغلاقها عن الآخر، كما تعزز الترجمة التفكير النقدي الجمعي في المجتمعات التي تعلي من شأن الترجمة، وهي أداة مناسبة لتجديد حيوية اللغة الوطنية وإثرائها.
ورغم عدم وجود مؤشرات واضحة على حجم الترجمة محلياً وعربياً قياساً إلى حركة الترجمة العالمية، لكن يتضح للمهتمين من الأدباء والكتاب والأكاديميين تباطؤ هذه الحركة وسكونها أحيانا، خاصة في مجالات المعرفة الأكاديمية والعلمية، إلا أننا نلحظ أستمرار وتيرة حركة الترجمة وتناميها في مجالات الروايات وبعض صنوف المعرفة التي لا تحقق عائداً فكريا وعلمياً مؤثرا قياساً لما هو في العلوم الإنسانية والأجتماعية والعلمية التطبيقية.
ومن باب الإشارة لنقاط مضيئة في هذا السياق، نجد أن هناك جهودا كبيرة وإهتمامات واضحة في حركة الترجمة في دول الخليج العربي في الجامعات ودور النشر والتأليف، إضافة إلى تخصيص جوائز عالمية عديدة للترجمة في أكثر من دولة خليجية، نأمل أن تمتد هذه الحركة لباقي الدول العربية وأن يكون هناك تعاون عربي مثمر في هذا المجال للأستفادة مما تقدمه المؤسسات الأكاديمية ودور النشر والترجمة من إمكانيات وحوافز يمكن أن تستثمر الطاقات البشرية المؤهلة في عالمنا العربي، فجامعاتنا العربية زاخرة بأكاديميين قادرين على دفع حركة الترجمة وتسر?عها، إلى جانب الإستفادة من الأعداد الكبيرة من خريجي أقسام الترجمة في هذه الجامعات وتوظيفهم في مشاريع قومية رائدة.
تعتمد عملية التدريس قي معظم الكليات الإنسانية في جامعاتنا مراجع عربية لا تقدم للطلبة في الغالب معرفة حديثة، وحتى لو كانت بعض هذه المراجع العربية مراجع حديثة فهي بمثابة إعادة إنتاج لمعرفة قديمة، وفي مجال العلوم الإنسانية يبرز دور الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية في تمكين الطلبة والباحثين معرفياً، ووضعهم في صورة المستجدات الفكرية والمعرفية، وهذا يتطلب جهوداً إضافية وخططاً فاعلة لتسريع حركة الترجمة في العلوم الإنسانية والإجتماعية، وإعطائها أولوية كبرى في المجال الأكاديمي، كما يمكن للجامعات الأردني? إنشاء مراكز للترجمة ودعم مشاريع وطنية لترجمة مراجع ومؤلفات عالمية ذات قيمة فكرية نوعية، ومحاولة بناء شراكات فاعلة مع دول ومؤسسات عربية ودولية تمنح الترجمة أهمية كبرى وتحرص على ما يعمل على تسريع حركة قاطرتها.