ليس من السهل والمناسب والمأمون الكتابة في السياسة؛ لا لمخاوف معينة، ولكن لأن ذلك يتطلب توفر المعلومات والتقارير ومعرفة ودراية بخلفية الحدث السياسي والإلمام بالعديد من الأمور المرجعية والقراءة الواعية لما يحدث وعدم التطرق لما يقال فقط ويتوافق مع العاطفة والمشاعر، وإن كانت ضرورية ومدعمة للكاتب السياسي المتخصص في حقل ومجال من حقول ومجال العمل السياسي الجاد والمسؤول.
ثمة أحداث ساخنة في غزة وتوقعات بشأن القمة العربية القادمة والانتخابات في تركيا والحرب الدائرة في السودان، وتلك لا تحتاج إلى آراء المحللين ومذيعي الأخبار ومندوبي المحطات؛ تحتاج إلى العديد من اتقان العمل السياسي والاستفادة من الظروف المتاحة لكسب التأييد والجولات.
الكاتب السياسي يحتاج إلى الكثير من الخبرة والدراية والاطلاع والتوسع في أساليب التعامل مع الاعلام بذكاء وحرفية، لنتصور مثلا الإعلام الإسرائيلي والأميركي، تحديدا مع أحداث غزة والانتخابات التركية وأسلوب التعامل وبيان المعلومات ونشر الرسائل والتغطية على أرض الواقع بقوة وسيطرة وتوافق.
الاقتراب من السياسة محفوف بالمخاطر والانسياق وراء الأخبار والتغطيات الإعلامية والتأثير المباشر لما تتناقله وسائل الإعلام المنوعة حول العالم من أخبار ومعلومات ولقاءات ومقابلات.
مر عام على رحيل الإعلامية شيرين أبو عاقلة وما تزال الحقيقة غائبة عن العالم لتوجيه الاتهام الصريح ونتائج التحقيق والمتابعة بعد الحادث بشكل قانوني على جميع المستويات العربية والدولية.
تقترب الأحزاب الناشئة قليلا من السياسة من خلال بعض التصريحات والتعليق على الأحداث بشكل مقتضب، ولعل الاقتراب من السياسة يحتاج منها إلى وعي عام وتام بما يحدث وأثره على السياسة العامة للدولة والمصالح العليا.
عمليات مهاجمة مصنع المخدرات في دولة مجاورة والتصدي لهذا الخطر الماثل مع جميع المحاولات للتهريب ونشر السموم واقتحام الحدود، يحتاج إلى تسليط الضوء عن شرعية الدفاع عن حدود وأمن الأردن والتعاون لمنع الخطر المرهق والتصدي لمحاولات التسلل والتي غالبا لم تعلن عنها الأجهزة الأمنية إلا عند الضرورة والحاجة الملحة.
الكتابة في السياسة تحتاج إلى تخصص دقيق وخبرة وافية وحذر تام، وقد لا تتاح الفرصة للكتابة في مجالات السياسة وذلك لأكثر من سبب، أهمها عدم الحصول على معلومات دقيقة عن طبيعة الحدث وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام والتي قد تتغير من حدث ولظروف متعددة.
كاتب العمود السياسي هو تخصص يحترم وخبرة في التحليل والمتابعة والتوثيق والتدقيق والقرب من مصدر صنع القرار، وكمّ من مرة تم ذكر أكثر من موقف للراحل الحسين حين كان يطالع جريدة (الرأي) ويتساءل: «ماله فلان ليش زعلان؟» ويحل الأزمة نتيجة مقال «دسم» ضد الحكومة.
كاتب العمود المنتظم يحتاج للتنوع ومعالجة العديد من المواضيع ذات الصلة بواقع المعيشة ومن ضمنها المواضيع السياسية بقرب محدود ومسافة واحدة من جميع الأطراف، ولعل الكتابة هي أرق قبل أن تكون مشروعا صالحا للقراءة والتعليق والاحترام والتقدير للكاتب والصحيفة.
يبدو مفيدا الاقتراب قليلا من السياسة لإرضاء بعض القراء، ولكن ليس على طول، يبدو ذلك واضحا ومناسبا لي على أقل تقدير.