بلال حسن التل
شجعني التقرير الذي نشرته وسائل الإعلام عن إنجازات أكاديمية الملكة رانيا العبدالله لتدريب المعلمين، خلال العام الماضي، لإعادة فتح ملف هذه المؤسسة العملاقة التي شوه صورتها الجهل، حتى لا أقول أشياء أخرى.
وأمانة الكتابة عن أكاديمية الملكية رانيا تقتضي الدخول من مدخل الفكر التعليم، لمن يقف وراء تأسيس الأكاديمية، وهي جلالة الملكة رانيا العبدالله، وقد كان لي لقاء مبكراً مع جلالتها حيث كان اول لقاء مباشر لي مع جلالتها عام 2004، كنا حينها في غمرة الاستعدادت لانطلاق نشاطات عمان عاصمة للثقافة العربية.
منذ اللقاء الأول مع جلالتها الذي كنت فيه واحدا من مجموعة مثقفين ومهتمين بالشأن الثقافي، ادركت أننا امام سيدة تشع ذكاء وحيوية، وتتدفق حماسة، ولديها من الأفكار والطموحات ما يحتاج تنفيذه الى العصبة من ذوي الهمم، وقد تأكدت لي هذهِ الحقيقة عندما استقبلتني جلالتها بعد ذلك منفردا، فاستمعت من جلالتها الى حديث مهم حول الثقافة وشموليتها واهميتها، وقد كتبت في حينها سلسلة من المقالات في الرأي الغراء تحت عنوان في المسألة الثقافية بين يدي جلالة الملكة رانيا العبدالله.
لقد أدركت وانا استمع في حينها لجلالة الملكة رانيا، أن جلالتها بنت عصرها، وان تكون ابن العصر اوبنته لا يعني انك تعيش سنوات ذلك العصر، بل ان تفهم روح العصر ولغته، وان تمتلك أدواته، وبغير ذلك تكون خارج العصر وان عشت سنواته.
ومن متابعتي لنشاطات جلالتها ايقنت انها تملك ذلك كله، وتسعى الى تجسيده الى حقائق عبر مشاريع ريادية تنفذ على ارض الواقع.
ولأن جلالتها تؤمن بان التعليم هو رافعة العصر، اي عصر، وأنه لا نهضة لأمة اوشعب ما لم يمتلك ناصية علوم عصره، اولت جلالتها جزءا كبيرا من اهتمامها وجهودها للتعليم، ولأن التعليم لايؤتي أكله الا من خلال معلم كفؤ ومؤهل ومدرب تدريبا حقيقيا، فقد اولت جلالتها اهتماما كبيرا بالمعلمين وتدريبهم وتأهيلهم، فكانت اكاديمية الملكة رانيا العبد الله لتدريب وتأهيل المعلمين، التي يقول الخبراء وأهل المعرفة انها لعبت دورا مركزيا متميزا بأعداد وتأهيل المئات من المعلمين الاردنيين، وكان المأمول أن يصل عدد المعلمين المؤهلين إلى ثلاثة الاف معلم سنويا، كان الكثير منهم يتقاضى مكافآت مالية، فوق ما كانواْ يتلقونه من تدريب وتأهيل على ايدي امهر المدربين، ووفق اعلى وادق المواصفات العالمية لتدريب وتأهيل المعلمين، وبالتعاون والتنسيق مع أعرق الجامعات العالمية في هذا المجال، حتى صارت الكثير من الدول تشترط بمن تريد التعاقد معهم من المعلمين ان يكونوا من خريحي اكاديمية الملكة رانيا العبد الله نظرا لتميز هؤلاء الخريجين نتيجة لمستوى التدريب والتاهيل الذي كانوا يتلقونه.
لقد كان من المتوقع أن تحدث اكاديمية الملكة رانيا ثورة في قدرات المعلمين الأردنيين المهنية، وبالتالي في واقع التعليم في الأردن، خاصة بعد أن استكمل بناء المقر الدائم للكلية في رحاب الجامعة الأردنية، وفق أحدث المواصفات العالمية لمثل هذا النوع من اكاديميات التدريب. غير أن الحضور اللافت لأكاديمية الملكة رانيا للتدريب المعلمين وتأثيرها الملموس، حركا اعداء النجاح، وهم بالنسبة للأردن كثر فانطلقت ألسنة السوء تفعل فعلها بتشويه الحقائق المتعلقة بالاكاديمية، واستبدال كل حقيقية بفيض من الإشاعات المغرضة حول الأكاديمية التي تصلح كنموذج لقصص النجاح التي اغتالتها الإشاعات، وتضليل الرأي العام بالاكاذيب، ومن سوء الحظّ أن خبراء وأهل اختصاص في مجال التدريب والتاهيل التربوي كانوا يعلمون تمام العلم اهمية الدور التطويري والتنويري الذي كانت تقوم به الاكاديمية، لكنهم التزموا الصمت، خوفا من الغرف السوداء التي كانت تقود حملة التضليل ضد الاكاديمية، وكذلك فعل نواب، بل أن بعض النواب الذين شاركوا في الحملة على الأكاديمية، كانوا يقولون في المجالس الخاصة عن الاكاديمية غير ما يقولونه بالعلن هجوما عليها، في واحدة من أبشع ممارسات طلب الشعبوية الرخيصة، التي صارت من اهم مصادر مشاكلنا الوطنية في السنوات الاخيرة، كما صارت من اهم وسائل تدمير قصص النجاح في بلدنا، ومنها اكاديمية الملكة رانيا العبد الله، التي يشكل غيابها خسارة وطنية جسيمة.
مناسبة الحديث عن أكاديمية الملكة هو أن الكثير من دول المنطقة، أدركت المستوى الرفيع من التدريب والتأهيل الذي تقدمه أكاديمية الملكة رانيا العبدالله فاعتمدتها لتدريب معلميها حيث ما زالت هذه الدول تستفيد من برامج وإمكانيات الأكاديمية بينما يحرم منها الجسم التعليمي الأردني، مما يستدعي القيام بحملة وطنية للمطالبة بعودة الأكاديمية بقوة لتأهيل الكادر التعليمي لوزارة التربية والتعليم، ومن المهم كذلك أن نتعلم كيف لا ننساق وراء الاشاعات التي تغتال الريادة في بلدنا.