طالب خبراء ومعنيون بضرورة وجود خطط استراتيجية فعالة للوزارات والمؤسسات المعنية وذات العلاقة، تضمن تطبيق قانون حقوق الطفل على أرض الواقع، بالتوازي مع ربطها بموازنات خاصة بها؛ تنفيذا للالتزامات الواردة في بنود القانون.
القانون الجديد الذي دخل حيز النفاذ مؤخراً بعد مرور 90 يوماً على نشره في الجريدة الرسمية، تضمنت مواده ونصوصه، الكثير من الإيجابيات التي تصب في مصلحة الطفل الفضلى وتجسد منظومة حماية الطفل وتؤسس للحفاظ على حقوقه المشروعة عبر توفر البيئة الصحية والآمنة له والتي تطال محاور متعددة.
وبعد نفاذ القانون وبدء العمل به يبقى السؤال المشروع الذي يفرض نفسه بقوة، هل تلتزم المؤسسات المعنية بتنفيذ بنود القانون عبر حسن إدارة المخصصات المالية وأوجه الصرف المثلى المرتبطة بتنفيذ التزاماتها في هذا الأطار؟
مقدادي: التزامات مرتبطة بنفاذ القانون
أمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي بين أنه من المفترض أن تبدأ المؤسسات المعنية التي عليها التزامات واردة في القانون بإدخال برامج ومشاريع في خطتهم لعام ٢٠٢٣ للبدء بتنفيذ ما ترتب عليهم من التزامات في قانون حقوق الطفل.
وأضاف في حديثه إلى «$»، نتحدث هنا عن مجموعة من المؤسسات الحكومية تحديدا، بدءا بوزارة الصحة ومن ثم التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية ووزارة الثقافة وأمانة عمان والبلديات، إضافة إلى مؤسسات أخرى، ولكن قد تكون هذه المؤسسات التي يترتب عليها مجموعة من الالتزامات إنفاذا لما جاء في قانون حقوق الطفل النافذ.
وفي هذا السياق، أشار المقدادي إلى عدم علم المجلس بما تضمنته خطط تلك المؤسسات من برامج أو أنشطة تترجم ما ترتب على تلك المؤسسات من التزامات حول القانون.
ووفق مقدادي «تضمنت نشاطات المجلس الوطني لشؤون الأسرة العام الحالي البدء بمناقشة المؤسسات المعنية بداية لمعرفة ماهية الأنظمة التي بحاجة لوجودها لترجمة القانون بشكل مفصل وبأدوار محددة أكثر، فضلا عن أنهم سيعملون بالتعاون مع المؤسسات على صياغة مسودات تلك الأنظمة».
واوضح أن المجلس سيبدأ بوضع مؤشرات لترجمة هذا القانون الى أنشطة أو إنجازات محددة؛ لأن القانون تضمن دورا للمجلس الوطني لشؤون الأسرة وهو إعداد التقارير الدورية المتعلقة بحالة حقوق الطفل في الأردن.
وبحسب مقدادي فان هذه المؤشرات سوف تساعدهم في وضع هذا التقرير الدوري بالإضافة إلى تزويد صناع القرار وجميع المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الأطفال ليكون نقطة بداية في قياس مدى الإنجاز المتحقق، وتنفيذ الالتزامات المترتبة على المؤسسات المعنية فيما يتعلق بالأطفال.
وزاد «سواء تعلق الأمر بزيادة معدلات الحدائق العامة كما نص عليها القانون وتحسين البيئة المدرسية أيضا كما نص عليها وإنشاء مراكز لمعالجة الأطفال المدمنين أو تلك المتعلقة بالرعاية الصحية الأولية وتوفيرها لجميع الأطفال في الاردن وتحسين البيئة الصحية المقدمة للأطفال».
وشدد مقدادي على أن جميع هذه القضايا وغيرها بما تضمنه القانون من التزامات سوف تكون مترجمة على وثيقة من المؤشرات لقياس مدى الإنجاز، وبالتالي قياس التغير في تنفيذ ما جاء به القانون من التزامات مترتبة على المؤسسات الحكومية المختلفة.
سكري: «التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية»
من جانبها، قالت المستشارة القانونية في مركز العدل للمساعدة القانونية المحامية سهاد سكري إن تفعيل قانون حقوق الطفل في كثير من المحاور وبالأخص محور الصحة والرعاية الاجتماعية ومحور التعليم كلها خدمات لها أثر مالي سينعكس على الجهات المعنية بالتنفيذ مثل وزارة الصحة أو التربية والتعليم أو حتى وزارة التنمية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية وغيرها من الجهات.
وذكرت في حديثها إلى «$» أن هذا الأثر المالي يفترض أن يظهر ضمن موازنتها من خلال البنود المرصودة لتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، وتحدد بخطط ووفقها ستصرف هذه البنود لتنفيذها، أي بمعنى الخطة الاستراتيجية أو التنفيذية لوزارة معينة مثلا كوزارة التربية والتعليم عليها أن تخصص موازنة لتحسين جودة التعليم كما ورد في القانون، وأن تنعكس على البنود الواردة في الميزانية لتتمكن الوزارة من الصرف على هذا البند.
وأكملت سكري أن «أية خطة أو نشاط تريد أن تنفذه الوزارة لغايات تطبيق قانون حقوق الطفل يجب أن ينعكس بطريقة واضحة بالموازنة الخاصة بها حتى تستطيع أن تصرف على هذا المحور المخصص لها».
وأوضحت سكري أن الإشكالية التي تظهر دائما تكمن بـ «أننا نجد في الخطة الاستراتيجية أو التنفيذية لأي جهة رسمية لا تنعكس على موازنتها، أي بمعنى أننا إذا نظرنا إلى استراتيجية أية جهة حكومية كاستراتيجية وزارة التربية والتعليم لديها بنود خاصة بتفعيل استراتيجية التعليم الدامج».
وتتساءل هنا «هل نجد بنود الميزانية تعكس ما ورد في استراتيجية التعليم الدامج أم لا، إذ يفترض أنه خلال عملية دراسة تطبيق القانون أن ندمج ونوائم ما بين الخطة الاستراتيجية أو التنفيذية للجهة الحكومية وبين الموازنة المخصصة لكل بند».
«15٪ من الموازنة »
وبالرجوع إلى وثيقة السياسات الخاصة بقانون حقوق الطفل قبل إقراره (مشروع قانون) التي أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» عام 2022 فإن «القانون يضمن إدارة الموارد المخصصة للطفل حيث أن مخصصات الطفل تبلغ تقريبا 15% من موازنة الدولة كنفقات مباشرة وغير مباشرة للطفل حيث يمكن توجيه الإنفاق بالشكل الأفضل».
وقدمت الوثيقة التي حصلت $ على نسخة منها مثالا على ما ورد سابقا» مثل تقديم المساعدة القانونية من محامٍ مؤهل ضمن ما يتم انفاقه من المخصصات المحاكم والعمل على تقليص المخصصات الخدمية من الوزارات بالبدائل المناسبة على سبيل المثال تقليل الحالات بدور الرعاية والإيواء للرعاية البديلة».
وضمن محور الاستثمار بقانون الطفل من الناحية المالية، بحسب الوثيقة «لا يحمل القانون في مضامينه تكاليف مالية إضافية طالما أنها مرصودة أساساً في الموازنات الحالية كنفقات مالية لقوانين أخرى، وما يرتبه مشروع قانون الطفل من التزامات مالية تتقاطع والالتزامات المالية المتحققة أصلا بموجب قوانين معمول بها كقانون الأحداث ومسألة الرعاية اللاحقة وقانون الأشخاص ذوي الإعاقة وقانون الصحة وغيرها التي رصد لتنفيذها مبالغ في ميزانية الدولة».
ووفق الوثيقة فإنه بعد إقرار القانون «لا بد من إعمال مبدأ التنفيذ التدريجي للالتزامات الاجتماعية والاقتصادية عبر تحديد أولويات الدولة لتنجزها أولاً بأول مرحلياً وانتقالياً وربط أثره المالي بالتخطيط قصير متوسط وطويل المدى وبما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة».
وبحسب الوثيقة ايضا، فإن ما تنفقه الوزارات وهيئات الدولة على الرعاية اللاحقة يفوق الرعاية السابقة في مختلف البرامج. من ذلك مثلاً أن الأردن ينفق على برامج مكافحة التسول و التسرب المدرسي ما يفوق متطلبات قانون الطفل، وكذلك تكاليف برامج الرعاية الصحية اللاحقة البالغة (٣٨٠ ديناراً) مقارنة بالرعاية الصحية الأولية والبرامج الوقائية غير المكلفة (٨-٩ دنانير).
وذكرت الوثيقة أن الدولة ترصد مخصصات للطفولة في مشروع الموازنة العامة وما سبقها من ميزانيات بما يوازي 15% من إجمالي الإنفاق العام، وأثبت الاستشاريون الماليون والاقتصاديون ان تكلفة تنفيذ قانون حقوق الطفل ستحقق للدولة وفراً مالياً بدءاً من السنة الثالثة من تنفيذه، في حين ان متطلبات وكلف تنفيذه وفقاً لما هو مرصود بالفعل حالياً لن يتجاوز (1،4%).
ويعتبر القانون ذو طابع وقائي من خلال جودة الخدمات وتحسينها وهو مشابه لما قامت به الدولة من توفير المطاعيم ذات التكلفة المالية على المدى القريب ولكن ذات جدوى اقتصادية على المدى البعيد والتي قامت الحكومة بفتح القطاعات وإرجاع عجلة الاقتصاد وفق الوثيقة.
وذكرت الوثيقة أن وزارة الصحة تقر بوجود ما يقارب ٧٠٠ الف طفل دون غطاء تأميني و مع ذلك لو تقدم أي منهم للحصول على اعفاء فسيحصل عليه لتغطية تكاليف العلاج رغم عدم احتصاله على بطاقة تأمين و النتيجة ان ضعف الفاتورة الصحية الرسمية تدفع بشكل غير مباشر.
كما ورد في محور الاستثمار بقانون الطفل من الناحية الاجتماعية في الوثيقة فإن الأنظمة الحديثة قد جاءت في متن قانون الطفل بمنهجية تمكن الدولة من تحقيق وفر مالي كنظم الرعاية البديلة إذا ما طبقت على شكل برامجي، حيث تبلغ تكلفة رعاية الطفل المؤسسية ذات الجودة العالية مابين ١٥٠ الى ٧٠٠ دينار، في حين ان الرعاية الأسرية البديلة ستبلغ ما بين صفر الى ١٥٠ ديناراً بحسب الدراسات الحالية.
ووفق الوثيقة فإنه يمكن لصندوق دعم الحكومة التواصل مع الجهات المانحة للتمويل ورصد مبالغ مالية لتوسعة الرعاية الصحية الأولوية للاردنيين وغير الأردنيين في إطار برامج إدارة صحية متكاملة.