الحب والاحترام مجبولان بالحزن واللوعة، وغيرهما من العواطف الإنسانية النبيلة التي ودع بها الأردنيون فقيدهم الدكتور عبدالسلام المجالي إلى مثواه الأخير، واقعة تؤكد أكذوبة طالما حاول البعض تسويقها علينا لتبرير اخفاقاته.
هذه المقولة هي الإدعاء بأن الأردنيين سلبين، وأنهم سوداوين ولا ينظرون إلا إلى السلبيات، ولا يرون الا الأخطاء، ولا يجيدون الا إطلاق الاتهامات اتجاه المسؤولين، لتأتي واقعة وداع الأردنيين للدكتور عبد السلام المجالي لتقدم دليلا جديدا على بطلان هذا الزعم الظالم للأردنيين.
أقول دليلاً جديدا لأن هناك رؤساء وزراء، ومسؤولين سياسيين وعسكريين وامنيين، حجزوا لهم مكانة حب واحترام لهم في قلوب الاردنيين وذاكراتهم، رغم أن مرور عشرات السنين على رحيل هؤلاء الرجال الذين يحتلون قلوب وذاكرة الاردنيين، أمثال وصفي التل والشريف عبد الحميد شرف وغيرهما، مما يؤكد أن الاردنيين لا بتعاملون مع المسؤول بأحكام مسبقة وجاهزة ومقولبة، ولكنهم يبحثون فيمن يتولى النصب العام في بلدهم عن صفات، أولها البساطة من خلال الأبواب المفتوحة والتواصل المستمر معهم، الذي يجعلهم يشعرون أن هذا المسؤول واحد منهم يحس بهم ويتكلم بلهجتهم وياكل من طعامهم ويمشي في اسواقهم كواحد منهم.
غير البساطة التي يريدها الأردنيون فيمن يتولى المسؤولية في بلدهم، فأنهم يريدون منه الصدق والحقيقة مهما كانت قاسية أو صادمة، وكل من يتابع أرشيف وصفي التل أو عبد الحميد شرف أو عبد السلام المجالي سيكتشف أنهم لم يدغدغوا عواطف الناس، ولم يكونوا بحثا عن الشعبوية الرخيصة يطلقون الوعود الكاذبة، لا للأشخاص ولا للمجتمعات المحلية بل صدموهم في كثير من الأحيان، حتى لايخدعونهم عن الواقع ولايبنون قصورا في الرمال، اكثر من ذلك فإن هؤلاء القادة الذين يجمع الأردنيون على حبهم واحترامهم، كثيرا ما واجهوا الناس بعيوبهم وبحوانب قصورهم، فالناس أيضا يخطئون وهم بحاجة إلى من يواجههم باخطائهم بالمصارحة وبحسن الخطاب، ولكن بصدقه وشفافية وهذا هو دور المسؤول القائد الواثق من نفسه.
صفة أخرى يبحث عنها الاردنيون فيمن يتولى المسؤولية، وهي قدرته على مواجهة الأزمات والسعي لحلها، لا ترحيلها لمن سيخلفه، وهو الترحيل الذي فاقم من الكثير من أزماتنا وجعلها أكثر كلفة.
صفة مهمة أخرى يبحث عنها الأردنيون بالمسؤول، هي قدرته على الانجاز، فقد لاحظنا في وداعهم لعبد السلام المجالي حجم الحديث عن انجازاته، ونلاحظ في ذكرى استشهاد وصفي التل السنوية، حجم الحديث عن إنجازاته، التي ما زالوا يتذكرونها رغم مرور أكثر من نصف قرن على استشهاده، مما يؤكد أن الإنجاز هو مفتاح قلوب الأردنيين، الذين يعشقون ويخلدون نظافة اليد والحرص على المال العام.
حب الناس لوصفي وعبد الحميد وعبد السلام إن لم يشكل حافز غيرة عند من يتولى المسؤولية، ليحتل مكانة في قلوب الأردنيين كمكانة هؤلاء، فليقرأ سيرتهم ليتعلم كيف تكون العظمة.