بالرغم من كثرة الحديث في بلدنا عن الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإداري, فإننا ننسى أن كل هذه الألوان من الفساد ماهي إلا مظهر وإفراز من إفرازات الفساد الأخلاقي والقيمي عند الفرد وفي المجتمع الذي نجم عن عملية تدمير منظمة للمنظومة القيمية في مجتمعنا, وهو التدمير الذي استهدف تفريغ الإنسان من كل القيم السامية, والأهداف والتطلعات الكبرى, والمنظومة الأخلاقية التي كان يتميز بها, وتحويله إلى مجرد أداة, أو كائن مهمش, لا هم له ولا هدف إلا ملء معدته, ولعل هذا ما يفسر لنا تنامي العنف المجتمعي والجريمة داخل الأسرة الواحدة من جهة, ويفسر لنا التركيز في الاحتجاجات التي شهدها بلدنا على المطالب الفردية والفئوية, دون مراعاة المصالح العليا للوطن من جهة اخرى.
لقد صار من الواضح أن شرائح واسعة من مجتمعنا تعاني من تفككاً إنسانيا, وخفوت في العواطف الإنسانية, وسيطرة المادة حتى على العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة, وبروز للفردية وقيمها, على حساب الجماعة وقيمها, ومن ثم تقديم المصلحة الشخصية, على المصلحة العامة, نتيجة للعلاقات المرضية التي انتشرت في المجتمع, وأبرزها الكذب, والنفاق, والارتزاق, وربط قيمة الإنسان بالمنصب الذي يشغله, أو المال الذي يملكه, بغض النظر عن مصدره, ولعل هذا ما يفسر لنا ما يعانيه مجتمعنا, من بروز ظاهرة التبرم والشكوى المصحوبة بالتقاعس والإتكالية, والاعتماد على الوسائل الملتوية وفي طليعتها الرشوة والمحسوبية.
إن منظومة القيم والأخلاق التي تسود في المجتمع هي التي تحدد نمط سلوكه السياسي والاجتماعي والاقتصادي, لذلك فإن القاعدة الأساسية التي يجب أن تبنى عليها عملية الإصلاح في بلدنا ومجتمعنا, يجب أن تنطلق من إعادة بناء منظومتنا القيمية والأخلاقية, وأول خطوة لتحقيق ذلك العمل على وقف الانهيار الأخلاقي في مجتمعنا ومنع أدواته, التي صارت تنتشر في مجتمعنا انتشاراً سرطانياً, تساعده الكثير من وسائل الإعلام التي تسخر لهذه الغاية وصولاً إلى إصلاح واقع التعليم في بلدنا, الذي يشهد تراجعاً كبيراً, ليس على صعيد غياب المرافق التي تخلق أجواء تعليمية صحية, سواء في الجامعات أو المدارس, بل وعلى صعيد التربية والثقافة الوطنية التي صارت غائبة عن مدارسنا مما حول الأردنيين إلى مجموعات سكانية تعيش في جزر معزولة عن بعضها, تحول بينها حواجز من المفاهيم والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد, حيث ينعكس هذا كله شرذمة في الثقافة الوطنية, وتبايناً في المواقف من القضايا الوطنية والقومية, وفي هذا خطر اكيد على سلامة الدولة وتماسك بنيانها منبعه اهتزاز منظومة الأخلاق, لذلك فإن إصلاح هذه المنظومة يجب أن يكون أولوية مطلقة لأنه المدخل لكل إصلاح آخر.