يسوق بعضهم جملة من الذراع لتبرير تراخيه أو انصرافه عن الانخراط في العمل العام.
أول هذه الذرائع حسب قولهم هي حالة الإحباط التي تسيطر على المجتمع،وهو قول يجافي المنطق السليم،كما يجافي نواميس الكون، فحالة الإحباط هي التي يجب أن تدفعنا للانخراط بالعمل العام للقضاء على مناخات الإحباط، فقد بعث الله الرسل إلى المجتمعات الكافرة والمشركة لتغير واقعها، ويظهر المصلحون عادة في المجتمعات المنحرفة والفاسدة لتصحيح انحرافها وانقاذها من الفساد. لذلك فإن حالة الإحباط يجب أن تكون محفزا للنشطاء كي يتحركوا للعمل على تبديد حالة الإحباط التي يحسون بها او تسيطر على مجتمعهم.
الذريعة الثانية التي يتذرع بها بعض المنسحبين من العمل العام هي أنهم أمضوا شهورا أو سنوات في العمل العام لكنهم لم يروا نتيجة لعملهم،وقد فات هؤلاء أن حركة المجتمعات نحو التغير بطيئة،خاصة في مجال القيم والسلوك، وخير دليل على ذلك سير الأنبياء والمرسلين،فرغم أنهم عليهم صلوات الله وسلامة مؤيدون من الله عز وجل، فقد احتاجوا إلى عقود من سنوات المعانة ليبدأ التغير في مجتمعاتهم،فرسول الله محمد عليه السلام ظل يعاني بعد البعثة بمكة ثلاثة عشر عاما ولم يسلم معه إلا ثلاثة وثمانون من الرجال والنساء والصبية، لكنهم شكلوا الن?اة الصلبة التي غيرت بعد ذلك وجه البشرية، أما سيدنا نوح فقد ظل يعاني مئات السنين دون أن ييأس ولم يؤمن به سوى نفر قليل حملهم في سفينته.قبل أن يأخذ الطوفان من لم يؤمن به، وهي إشارة واضحة إلى أن بديل التغير هو الدمار.
إن التأمل في سير الأنبياء والرسل وسائر المصلحين تؤكد أن حصاد جهدهم أتى بعد سنوات طويلة من الجهد والعمل المتواصل بلا كلل ولا ملل، فما بعضنا ييأس بعد فترة وجيزة من العمل؟ لقد فات هؤلاء أن من استعجل الأمر قبل أوانه عوقب بحرمانه.
الذريعة الثالثة لهؤلاء المنسحبين من العمل العام، هي تساؤل عن ما يحققونه على المستوى الشخصي، جراء انخراطهم بالعمل العام، وأصحاب هذا التساؤل قصيرو النظر، لأنه يفوتهم أن سلامتهم وأمنهم وصلاحهم من صلاح مجتمعهم، ولأنه يفوتهم ايضاً أن العمل العام يصقل شخصية الفرد وينمي مداركه ومعارفه،كما ينمي شبكة اصدقائه، والأهم من ذلك كله أنه ينال احترام نفسه، واحترام الآخرين له.
خلاصة القول هي ان المساهمة بالعمل العام هي ضرورة لبناء الذات، وهي ضرورة لحماية المجتمع من الدمار وأهم أسبابه الإحباط والقنوط.