تابعت أمس ما حدث في نابلس..
للعلم.. جاري من نابلس, وقد كان فخورًا مزهوًّا بما حدث وربما بما سيحدث مستقبلًا... الغريب أن القوة الإسرائيلية لحظة أن دخلت المدينة القديمة, بدأت المساجد بدعوة الناس للنفير... وبدأت المعركة, وقد اكتشفت أنها مدينة مختلفة، المئذنة فيها تقاتل، وسدر الكنافة يقاتل.. والدوار لمحته يقاتل أيضًا, وجديلة مر عليها الهواء من جبل جرزيم... هي الأخرى قاتلت... غير أن جبل عيبال كان مشغولًا باحتضان صدى التكبيرات وإعادة نثرها في مدى نابلس الرحب... لقد قاتل هو الآخر ولكن بطريقة مختلفة.
قل لي أيها النابلسي الخضيب دمًا, من أي طينة قدّت عظامك؟... وكيف سدّد فتى صعد لسطح عمارة (الطوب) على سياراتهم, وكيف تحصن فتى آخر في المدينة القديمة... وصرخ: (الموت ولا الدنية)... يقولون إن لا اصابات بينهم, هم كاذبون.. اليهود أقسم أنهم يكذبون, وأقسم أنهم عادوا بمجموعة من الجثث... والرّصاص كان في الرأس, خذوها مني وقولوا على ذمة عبدالهادي راجي..عاد اليهود بـ (10) جيف على الأقل.
للعلم يطلّ على نابلس جبل جرزين، وجبل عيبال، وجرزين صدقوني أنه أكبر من قمة (ايفرست).. على الأقل على سفحه سقط الشهداء، وارتوى الزيتون.. ماذا فعل (ايفرست) غير احتضان العواصف.. وصدقوني أن جبل عيبال هو الآخر.. أهم من سلسلة جبال الألب.. على الأقل عيبال يطل على المدينة الحلوة.. يطلّ على الجدائل والحدائق وكان يراقب أمس أداء الأبطال في نابلس القديمة.. وكان يصفّق, الألب على ماذا يطل؟.. على لا شيء سوى الثلوج ومجموعات من الرحالة يكسرون كل يوم الكبرياء فيه ويصعدونه عنوة..
زمان يا نابلس كنا نسهر على الدمع والحزن والقهر, كانت إسرائيل تقصف العواصم العربية متى شاءت.. كانت تقصف مفاعل تموز في بغداد وتعود، كانت ترحل لتونس كي تغتال رجالات الثورة وتعود.. كانت دباباتها تجوب بيروت كأنها في نزهة ثم تعود لمرابضها.. كانت طائراتها ترحل شمال حلب وتقصف ثم يعود القتلة لاحتساء الخمر والاحتفال بالموت...
غيرت التاريخ يا نابلس وغيرت البوصلة وغيرت الأرقام وقلّبت للعالم ظهر المجن.. تخيلوا أنهم دخلوا بقوة من المستعربين ، وعلقت القوة في المدينة القديمة..تخيلوا أنهم أرسلوا مئات الجنود وعشرات السيارات.. ليس للقضاء على شباب مجموعة عرين الأسود ولكن لحفظ ماء الوجه... وإنقاذ جنودهم.. صار همّهم إنقاذ الجنود فقط...
شكرًا يا نابلس لأنك أعدت للمدن العربية أمس الوقار, وشكرًا لأنك علمت المدن أيضًا.. كيف تكون المئذنة فصيلًا مقاتلًا, وكيف يصبح سطح المبنى سرية مقاومة, وكيف يتحول الدوار إلى راجمة حجارة.. شكرًا لأن عيبال اعتلى النجوم أمس, ولأن جرزين حرك الغيم بقمته.. شكرًا على الدم الذي سال نقيًّا مطهرًا.. شكرًا على إنارة الشارع.. التي أضاءت جيدًا تحت الهدف, وحين أراد الجندي الإسرائيلي أن يسدد انطفأت الإنارة فوق رأس المقاتل الفلسطيني.. حتى إنارة الشوارع كانت تقاتل أمس..
شكرا للمدينة التي أعطتهم أمس درسًا في معنى العروبة،في معنى الوفاء.. في معنى الرصاصة الصائبة،في معنى أن يؤسس الجيل الجديد من الفلسطينيين أسلوبًا جديدًا في النضال...
البارحة نابلس.. أطعمت كل المدن العربيّة من (كنافتها).. وجعلتها تذوق طعم الحرية والكفاح.. نعم في نابلس للحرية طعم وللكفاح طعم ومذاق.. مثل (كنافتهم) تمامًا.
Abdelhadi18@yahoo.com