.... منذ (40) عامًا واسم ضبعة يتردد في ذهني, كلّما عدت للكرك.. يهاتفني أحدهم: (وين وصلت) فأرد عليه قائلًا: (يعني قربت ضبعة).. وحين أغادر يعيدون السؤال وأجيبهم: (اتعديت ضبعة).. لكثرة الحوادث على الطريق الصحراوي, لابد من الأسئلة التي تأتيك من أبناء العمومة من المنزل.. من الأصدقاء, من الأهل..
(40) عامًا وضبعة يتردد اسمها في ذهني, لكّني لم أدخلها.. مررت بجانبها فقط, وهي للعلم تتبع للواء الجيزة, ويوجد فيها قلعة بُنيت من العهد العثماني؛ لحماية قوافل الحج..
صدقًا لا أعرف سبب تسميتها بضبعة.. ولكن البعض قال لي: إنها منطقة سكنتها الضباع فسميت بهذا الاسم, وبعضهم قال عكس ذلك, قال إن تضاريس المنطقة صحراوية ومخيفة (وتضبع) الزائر بمعنى تخيفه.. ولا أعرف حقيقة سبب التسمية.
أريد تقريرًا في الأخبار عن (ضبعة).. تخيلوا أن قناة أردنية بثّت قبل أشهر تقريرًا عن (الكسليك) في لبنان, وبثّت تقارير عن مدن مغربية وأخرى تونسية... ولم ترسل طاقما (لضبعة).. حتى أن أي برنامج وعلى مدار (30) عامًا لم يقم بذكر اسم ضبعة..
(ضبعة) تستحق مهرجانًا يقام باسمها, وتستحق زيارة من هيئة تنشيط السياحة..
أقسم أنّي كلّما ذهبت للكرك, ووجدت (اليافطة )التي تحمل اسمها أفكر بالدخول اليها.. وقد أخبرني أبي ذات يوم, أن أهلها من البدو... الذين يحملون ضيفهم على الأهداب, وأنهم يحمون الدخيل والغريب, فالمنطقة أصلًا أسّست كتجمّع؛ لحماية قوافل الحجاج وسقايتهم والترحيب بهم.
(40) عامًا وأنا أمرّ بجانبها, ولم تقل لي (ميّل).. أحاول على خجل أن أدخلها, لكن الطريق تقوم بأخذي للكرك... أنا متأكد أن الإبل فيها تمشي على حواف الشارع, ومتأكد أن الصحراء تحف بها كأنها نديم للقرية... لا يترك نديمه, متأكد أن ضبعة لم يصلها بعض المسؤولين.. ولكن الشمس تصلها قبل كل المدن, والهواء العليل يشف خدها... ومتأكد أن الرمل يصعد أسطح البيوت على خجل, ومتأكد من أن سمرة وجوه الرجال فيها, أشبه بلون القهوة... وحين تنظر إليهم ترتشف الطيب منها...
أنا أكتب لضبعة.. لأن المدن ضاقت بنا, والعواصم ضاقت, والقلب ضاق...
للعلم قررت الرحيل (لضبعة).
Abdelhadi18@yahoo.com