قبل ايام, سمعت اسم الأردن في التلفاز... كنت ذاهبا لفتح باب المنزل, من أجل ابني الأصغر الذي عاد للتو من جولة مع الأصدقاء, واضمه كما افعل دائما, لكن خالد مشعل كان يتحدث عبر قناة الجزيرة عن الأردن وقصة اغتياله... لا أدري ما هو الشيء الذي شد كتفي, وجعلني اقف كي اسمع ماذا يقال عن وطني... الأردن هو الوحيد الذي يجعلك تتأخر عن ابنك..
تذكرت يومها بدر شاكر السياب حين قال: «بالأمس حين مررت بالمقهى, سمعت اسمك يا عراق»..
واتذكر يوما أني كنت في مطعم انجليزي.. وكان التلفاز يبث عن عرض (للمناطيد), وقد توقفت حين قال المذيع بالإنجليزية (جوردن), ونظرت وإذا بمسابقة في وادي رم تقام, لا أعرف وقتها ماذا حدث لي؟.. داهمتني دمعة حرّى, واقشعر جسمي.. كأني على موعد مع أول حب في العمر, أو كأن الدم عاد لشراييني بعد أن ذبلت, أو كأني فقدت نظري واستعدته في لحظة.. يومها تذكرت بدر شاكر السياب أيضا وتذكرت حين قال: أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون فكيف يمكن أن يكون؟
الشمس في بلادي أجمل من سواها..
أنا أحيانا اشعر بأن الخيانة للبلد لا تكون فقط في اعطاء معلومات للعدو، أو تعكير صفو السلم.. أو التواطؤ على التراب الوطني, أو الارتهان للسفارات.. أشعر بأن الخيانة تكمن حين تكون في اغترابك ويذكر اسم الأردن ولا تذرف دمعة, وأشعر بأني أخون ترابي الوطني.. حين يمر طيف العلم من أمامي.. ولا يقشعر بدني, وأحس أحيانا بأن صوت الطيار حين ينادي من كابينته: (الآن ندخل الأجواء الأردنية...) هو أهم من كل أدوية الدنيا وأنظر من شباك الطائرة للأرض, وحين أرى بلادي اشعر لحظتها أني استعدت رئة كنت قد فقدتها لحظة مغادرتي...
أنا لا اكتب رومانسية عابرة، ولا كلاما عابرا على ورق الجريدة... بل اكتب عن الخيانة وابشع اشكالها, ألا تقف مثل المسمار.. حين تمر من جانب التلفاز وتذكر محطة اسم الأردن, وابشع اشكالها أن.. لا يكون حلمك على أرض أردنية.. حتى الأحلام إن لم تكن اردنية فهي خيانة.
نحتاج في هذه الفترة, لإعادة انتاج الوطنية الأردنية.. نحتاج للشعور الوطني، نحتاج أيضا أن نعلم الجيل الجديد معنى التراب الوطني ومعنى أن تكون أردنيا..
في المهرجانات التي اندلعت من جرش وحتى الفحيص.. كل ما ورد فيها عبارة عن اغنيات، سيطويها الريح, ولن يتردد صداها... كم كنت اتمنى أن تخصص هذه المهرجانات ولو ندوة أو يوما للجيش وتاريخه, وصور معاركه, وتطور سلاحه.. لكنهم للأسف لم ينتبهوا...الجيش هو الوحيد الذي يستطيع أن يترجم معنى الوطنية الأردنية.
.. هو الذي علمني أيضا, أن الأحلام.. حتى الأحلام إن لم تكن على أرض أردنية فهي خيانة.. وأنا حتى في اغترابي وسفري, كنت ارفض أن يكون الحلم على أرض غير أردنية.. لأني لم اخن بلادي يوما ولو حتى بالحلم..
Abdelhadi18@yahoo.com