مع ظهور التحديات العالمية المتعلقة بالتغير المناخي والكوارث البيئية والضغوطات على الموارد الطبيعية واستنزافها والاختلالات المناخية مثل تذبذب درجات الحرارة والفياضانات والزلازل والتصحر والجفاف وارتفاع مستوى البحر والأثار الاقتصادية لتلك التحديات. ومما لا شك فيه فإن التقدم الصناعي وانتشاره عالمياً زاد من حجم التلوث البيئي، وانحسار الرقعة الزراعية على حساب التوسع العمراني مما أدى للتصحر، بالإضافة لقطع الأشجار والتخلص من النفايات الصناعية بطرق غير مشروعة ساهمت على إحداث خلل بيئي عميق.
لقد سارعت الدول والمؤسسات اوالأفراد للتفكير في بناء اقتصاد أخضر مستدام قادر على مواجهة التحديات البيئية والمناخية لما له من أثار تنعكس على الاستقرار المالي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي هذا الصدد يساهم النظام المالي العالمي في تخفيف المخاطر المرتبطة بالمناخ عبر إعادة توجيه التمويل نحو المنتجات الصديقة للبيئة وحماية المجتمعات من التلوث البيئي ودعم المشاريع الخضراء التي تحسن من جودة الحياة المعاشة عبر تبني التمويل الأخضر الذي يعتبر عاملاً أساسياً في تطوير المنظومة الكاملة للاقتصاد الأخضر.
يتجلى مفهوم التمويل الأخضر في تقديم الدعم للمشاريع التي تساهم في تقليل نسبة الانبعاثات والاستخدام الأنجع للموارد البيئية والتخفيف من اثار التغير المناخي عبر توجيه البنوك والمؤسسات المالية نحو الإقراض الذي يأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي والذي يأتي منسجماً مع أهداف التنمية المستدامة ورؤيتها نحو عالم أكثر إخضراراً وأماناً وازدهاراً.
يجسد التمويل الأخضر مبدأ الائتمان الأخضر الذي يشير إلى سلسلة من الوسائل الإدارية التي تتطلب من البنوك والمؤسسات المالية المعنية بالاقراض ابتكار أدوات تمويل خضراء تعمل على حماية ا?بيئة واستعادتها. ويهدف التمويل الأخضر لاستخدام المنتجات والخدمات المالية كالقروض والتأمين واستثمارات رأس المال والسندات وغيرها من أجل تمويل مشاريع خضراء صديقة للبيئة. حيث تعمل الأسواق المالية على استخدام أصول حيوية جديدة تتمحور حول توليد السلع والخدمات الخضراء لخلق جيل بيئي قادر على إحداث استدامة بتكاليف منخفضة.
تُتَرجَم الاستراتيجيات الخضراء في مجموعة من التدابير والإجراءات التنظيمية لتسهيل التنفيذ وزيادة التمويل وضخ الاستثمارات في الاقتصاد الاخضر والطاقة المتجددة وزيادة كفاءة استخدام الموارد الطبيعية والقدرة التنافسية والوصول للاسواق. إن الطلب على التمويل الأخضر سيكون قوياً في المستقبل وسيكون العالم بأسره بحاجة كبيرة لامتلاك إمكانيات تساعد على إنشاء بنية تحتية خضراء. برأيي، إن هناك حاجة ملحة لتعزيز الجوانب القانونية والتعاقدية للتمويل الأخضر من قبل الجهات الرقابية عبر تبني استراتيجية شاملة للتمويل الأخضر وإدارة المخاطر البيئية من خلال بناء قدرات الموظفين وتوفير معايير مرجعية وأدلة متخصصة حول مفهوم التمويل الأخضر وبناء سياسات إئتمانية مناسبة لمواجهة المخاطر للانتقال لنمو مستدام وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة للعام 2030 والوفاء باتفاقية باريس المناخية لتحقيق اهداف التنمية المستدامة مع التوجه للتمويل الأخضر الآمن.
