احمد ذيبان
قبل زمن الانترنت وما أفرزه من منتجات، مثل أجهزة الهاتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، انتشر جهاز «البليب» في تسعينات القرن الماضي، وكان يبدو جهازا سحريا في حينه، يتفاخر به من يقتنيه ويضعه في جيبه، أو يشبكه في حزامه ويعلقه على خصره، وكانت الخدمة التي يوفرها البليب لحامله بسيطة.. مجرد رنة ناعمة تشعره بنداء من عائلته، أو الجهة التي يعمل فيها سواء كانت؛ «وزارة، مؤسسة، شركة، مستشفى أو جريدة..الخ»، حيث يظهر على الجهاز رقم المتصل، دون أن يتمكن حامل البليب من استخدامه للاتصال، لكنه يشعر بأن ثمة أمرا طارئا يستدعي?الاتصال، فيضطر الى البحث عن أقرب هاتف أرضي للاتصال والاجابة .
كان الحصول على البليب بتقديم طلب الى الجهة المعنية بقطاع الاتصالات مقابل دفع رسوم، كما كان يحدث في عصر الهاتف الأرضي، والرسوم المطلوبة يدفعها الشخص الراغب بالحصول على هذه الخدمة، أو الجهة التي يعمل بها الموظف المعني.
انا شخصيا لم أشترك بهذه الخدمة، لكن البليب كان يلفتني عندما كان يزورني الزملاء بعض مندوبي الصحف، أثناء عملي مديرا للأعلام في وزارة التموين بين عامي 1995و1997، حيث كنت اسمع رنة الجهاز وكان واضحا أن مصدر النداء هو ادارة المندوبين في الصحيفة، لتذكير الزميل بأمر ما أو فكرة أو سؤال يتعلق بتغطيته لشؤون الوزارة للحصول الى المعلومات، وكان الزملاء يستخدمون الهاتف الذي في مكتبي للرد على مصدر النداء.
الأن أصبح البليب يصلح للاقتناء كقطعة انتيكة، كما هو حال البريموس والراديو القديم، بعد غزو أجهزة الموبايل الحديثة،التي يتم طرح موديلات جديدة منها بشكل متواصل، حيث أصبحت الشركات المنتجة تحصد مليارات الدولارات سنويا، لهذا الجهاز السحري الذي يضع العالم بين يدي حامله، بل أصبح الاطفال يتسخدمونه بمهارة أكثر من الكبار، وهو يوفر سيلا متدفقا من المعلومات والاخبار وأدوات التسلية من فيديوهات وصور التي تنشر عبر التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي، وبعضها هابطة من حيث المستوى تهدر الوقت وتسوق الكذب والدجل والشعوذة.
عندما تخرجت من التوجيهي لم يكن لدى والدي ،قدرات مالية لكي أكمل الدراسة الجامعية قبل ان احصل على بعثة، فعملت بوظيفة مأمور مقسم في وزارة المواصلات لمدة عامين، في بلدة معدي بالغور الاوسط وكان عدد المشتركين، الذين لديهم هواتف أرضية ثمانية فقط، وعندما كان أحدهم يرغب بالاتصال مع مشترك في مدينة السلط أو عمان، من خلال مقسم البريد، كانت عملية الاتصال تتطلب الانتظار ساعة أو ساعتين، حيث يتم الطلب من خلال مقسم مدينة السلط أو المقسم المركزي في عمان ويتم تسجيل الطلب، وكان ضغط الاتصالات بالمدن الكبيرة كبيرا، وغالبا يكون ?أمور المقسم مشغولا بالرد على المشتركين..الخ
وها نحن اليوم في زمن مختلف، إذ يستطيع حامل الموبايل بكبسة زر الاتصال فورا مع أي رقم في العالم، وأن يبحث عن أي معلومة ويحصل عليها خلال بضع ثوان من خلال «غوغل»!
[email protected]