أ.د. محمد الرصاعي
يحقق التعليم مكتسبات تعزز معارف الطلبة وإدراكهم لكل ما من شأنه التأثير في حياتهم، ورسم مستقبلهم. ورغم أن عملية التعليم تتوقف عند مغادرة الطلبة صفوفهم الدراسية في نهاية اليوم الدراسي، أو عند بدء العطلة الصيفية التي تأتي في نهاية العام الدراسي، إلا أن هذه المكتسبات تنتقل معهم لتوجه سلوكهم خارج أوقات التعلم والدراسة في حال كان التعليم الذي تلقوه منتجاً وفاعلاً.
ويظهر أثر التعليم في حياة الطلبة وواقعهم، حيث يوظفون معارفهم ومهاراتهم في التفاعل اليومي وحل المشكلات التي تواجههم، إلى جانب إعمال قيمهم واتجاهاتهم في جميع الممارسات الحياتية والأخلاقية، ومن المهارات الحياتية التي يكتسبها الطلبة طيلة مراحل تعلمهم مهارة إدارة الوقت واستثماره، وتتصل هذه المهارة بالقيم والاتجاهات والاهتمامات التي يمتلكونها، فتجدهم يشغلون أنفسهم في أوقات الفراغ بالقراءة أو ممارسة الرياضة أو الأعمال التطوعية، أو أنشطة على شاكلة الرحلات والترفيه والمغامرة، ويحرصون على إنتقاء أنشطة لقضاء أوقاتهم ?عود عليهم بالنفع والمعرفة والفائدة، إلى جانب أن ممارسة هذه الأنشطة تسد العوز في مشاعرهم، وتوجه طاقاتهم العقلية والإنفعالية في الوجهة الصحيحة لمزيد من النضج والرفاه الفكري.
غير أنظمة التعليم التي تحصر التعلم في استهلاك المعرفة، وتتصف أنشطة التدريس فيها بالرتابة والأدوار الهامشية للطلبة، لا تحقق في طلبتها مهارات إدارة الوقت وأستثماره، وتجعلهم في أوقات الفراغ عرضة للملل والإكتئاب، بل والذهاب صوب ممارسات قد تشكل هما وقلقا لذويهم، كبقائهم لفترات طويلة أسرى للأجهزة الخليوية والألعاب الإلكترونية، أو قضاء أوقات طويلة في الطرقات والحارات والمقاهي، فيتمثلون سلوكات العنف والتدخين والتعدي على الاخرين، وقد تتجاوز هذه الممارسات حدوداً أكثر قسوة عليهم وعلى أسرهم.
لذلك تعد الأنشطة والممارسات التي يعتاد الأفراد عليها في أوقات فراغهم دليلاً دامغاً على نضج وفعالية النظم التعليمية التي أنتجت فكرهم وثقافتهم وخصائصهم، وقد يشاهد كل من يسافر لبعض دول العالم المتحضر تكرار مشهد القراءة في الساحات والحدائق ووسائل المواصلات، كما يمكن أن يلحظ العدد الهائل لمن يمارسون رياضة المشي والجري والسباحة، وتتعدد في هذه المجتمعات مؤسسات التطوع والعمل الخيري التي تحتضن أعداداً هائلة من الراغبين في التطوع في مجالات الرعاية الصحية لذوي الإحتياجات الخاصة وكبار السن، أو الأعمال التي من شأنها رع?ية البيئة والأهتمام بها، كما تتعدد في هذه المجتمعات المراكز والنوادي والمنتديات التي تحقق للمبدعين والموهوبين فرص تعزيز سماتهم والإرتقاء بها.
يقول أحد الحكماء: أوقاتنا هي أعمارنا، فكيف نشغلها بما يحقق النفع والفائدة لنا ولمجتمعاتنا، وفي هذه الأيام يبدأ أبناؤنا عطلتهم الصيفية التي تمتد لفترة تزيد عن الشهرين، فهل نفكر في تهيئة أنشطة مفيدة ومسلية لهم، وأن نحرص على بناء هذه المهارة في شخصياتهم لكي يعتادوا على استثمار أوقاتهم وفراغهم لمزيد من نضجهم وتكوينهم المعرفي والعاطفي، لا أن يكون الفراغ والوقت مفسدة تدفعهم للانحراف عن جادة الصواب.
[email protected]