تعمدت التريث قبل المساهمة بالجدل الدائر حول واقعة انتهاك حرمة دارة الشهيد وصفي التل ومتحفه، حتى لا يقال أن أقرباء الرجل هم الذين يتصدون للدفاع عن تراثه، فأنا من المؤمنين بأن وصفي ليس ملكاً لأشقائه ولا لعشيرته، فقد صار رمزاً وطنياً عليه إجماع ليس له مثيل، وهو قبل ذلك جزء لا يتجزأ من تاريخ الأردن وفلسطين، ولذلك فإن الدفاع عن تراثه مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع، وهو ما ثبتت صحته من خلال كم ما كتب من بيانات ومقالات نشرت في الصحف، بالإضافة إلى المشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي استنكاراً لواقعة انتهاك حرمة دارته ومتحفه، واستغلاله لتصوير مسلسلات تلفزيونيه لا علاقة لها بالشهيد وتاريخه.
ما جرى في متحف وصفي التل يشكل واقعة ذات دلالات خطيرة، أول هذه الدلالات أنها وقعت لدوافع مالية، فالتحقيقات الأولية والشواهد تشير إلى أن مجموعة من موظفي أمانة عمان ممن لهم علاقة وظيفية بشكل أو آخر بمتحف الشهيد هم من أساءوا استعماله سواء بتأجيره، أو من خلال القيام داخله بتصرفات غير أخلاقية إلى الدرجة التي سمحت بإدخال المشروبات الكحولية ومعاقرتها داخل المتحف، وهو سلوك يؤشر إلى مدى تغلغل ثقافة كسب المال بأي وسيلة في مجتمعنا وسيطرة هذه الثقافة عليه، وبالتالي بروز آثارها السلبية في مجتمعنا، وأول هذه الآثار انتشار بعض مظاهر الرشوة اضافة الى البلطجة، ناهيك عن التحديات الامنية التي تواجه البلد مما يستوجب الانتباه لهذه المخاطر، ومعالجتها واجتثاث أسبابها.
ثاني الدلائل من واقعة انتهاك حرمة متحف الشهيد، هي الحجم الذي وصل إليه الاستهتار بمشاعر الأردنيين وتحدي هذه المشاعر، لتأتي واقعة انتهاك حرمة متحف الشهيد وصفي التل، نظرا للمكانة الكبيرة التي يشغلها وصفي في وجدان الأردنيين وحسهم الوطني.
الدلالة الثالثة الخطيرة لهذه الواقعة، أنها تقدم دليلاً صارخاً على حجم سيطرة اللامبالاة على سلوك شرائح متنامية من أبناء مجتمعنا، الذين صاروا لا يبالون بمشاعر أو رموز أو قيم أو تقاليد.
دلالة أخرى لهذه الواقعة هي أنها تؤشر إلى غياب الثقافة والتربية الوطنية عن بعض مؤسسات التنشئة في بلدنا، مما يعني أننا قد نشهد المزيد من التطاول على رموزنا ما لم نأخذ أمورنا على محمل الجد.