هذا هو سؤال المليون دينار والذي يجب أن نجيبَ عليه بدقة وِفق رؤية واضحة وخطط تنفيذية مُحكَمة.
الرؤية موجودة، وتتجسد في الدستور وكتب التكليف السامي والأوراق النقاشية لجلالة الملك والوثائق المهمة، ومنها رؤية 2025 والاستراتيجيات والأجندات وخطط العمل الكثيرة، والتي ما زال العديد منها، أو من أبعادها، حبيس الأدراج.
المطلوب وضعها على الطاولة، واجتراح خريطة طريق منها تتلاءم مع الواقع، ودون اختراع العجلة من جديد، فما هو موجود في هذه الوثائق والأدبيات يغنينا عن العودة للمربع الأول.
والسؤال الثاني المهم: على عاتق من يقع العمل؟
والإجابة تتمثل في ثلاث دوائر مجتمعة.
الأولى وتتصل بالقيادات والمسؤولين؛ فالقادة والمسؤولون، على المستويات المختلفة، هم الذين اختيروا للقيام بهذه المهمة، وعليهم يقع العبء الأكبر.
الأصل أن المسؤول يُختار ليقوم بالواجبات الموكلة إليه بأمانة، وهو الذي مُنح الصلاحيات للقيام بذلك.
وعلينا أن نستمر بالدفع نحو مطالبة هؤلاء بالعمل بجد لتحقيق المرجو، دون تردد أو تباطؤ.
لكن المهم، في ذات الوقت، معرفة أن التغيير ليس منوطاً فقط أو محصوراً في القادة والساسة، فهنالك دائرتان أخريان ينسى مجتمعنا أحياناً دورهما المحوري.
الدائرة الثانية، والتي نعولّ عليها كثيراً، هي مؤسساتنا المنتشرة عبر القطاعات المختلفة والتي أنشئت بهدف القيام بعملها على أكمل وجه.
نحن دولة مؤسسات، ومؤسساتنا قوية وكفؤة ويقع على عاتقها الكثير. ومنها مؤسسات حيوية وفاعلة حققت نجاحات لافتة.
ولا ننسى، أنّ في هذه المؤسسات العديد من المبدعين والعلماء الذين عليهم دور كبير في ترجمة رؤى تلك المؤسسات إلى واقع.
وعلى العلماء بالذات، في الجامعات وغيرها، فعل الكثير، فالمجتمعات المتقدمة تطورت وحققت نقلات كبيرة، ليس من خلال قادتها وساستها، بل من خلال العلماء الذين سطّروا العديد من الفتوحات والاختراعات والإنجازات في شتى الحقول، بدءاً من الطب، ومروراً بالصناعات والابتكارات، وانتهاء باكتشاف المحيطات العميقة والفضاء الشاسع من حولنا.
منذ مدة، على سبيل المثال، ونحن نتابع ما يقوم به العلماء في «ناسا» وغيرها، من سبر غور الكون من خلال تلسكوبيّ «هَبِل» و«جيمس ويب»، اللذين أحدثها ثورة في المعارف المتصلة بالكواكب والنجوم وبيئة الأرض.
أين دور علمائنا، ولماذا لا نساهم اليوم كغيرنا في الطب والهندسة والميتافيرس والنانو والطاقة؟
أما الدائرة الثالثة، والتي لا تقل أهمية، فتتعلق بالأفراد.
التغيير والتطوير يقعان على عاتق الأفراد والمواطنين، فكل جهد يبذله الواحد فينا في أسرته أو حيّه أو مُجتمعه، والتزامه بالأعراف والقوانين وقواعد السلوك الحميد له كبير الأثر في نوع الحياة التي نريد.
أحياناً ينسى الواحد فينا دوره، ويجلس إما نادباً حظه أو منتقداً، أو مُزيحاً المسؤولية على غيره.
وبعد، فحتى يحصل التغيير، لا بد للدوائر الثلاث من أن تعمل بجد وتكامل، حتى يتحققّ المرجو، وحتى نتخلّص من حالة التشرذم أو الاجتزاء أو التواكل التي نعيشها.
أمامنا الكثير إذا ما شمّرنا عن أذرعنا وأخذنا واجباتنا ومسؤولياتنا على محمل الجد، وعندنا الإمكانات اللازمة.
وبعكس ذلك نبقى نَتذمّر ونشجب وننتظر، مثل الشخوص البؤساء في مسرحية «في انتظار غودو».