كتاب

عن الكتاب.. ام الكاتب؟!

في مثل هذا الحيز المحدود لمقالة صحفية ذات طابع تلميحي سريع ليس من الإنصاف الحديث عن مؤلَّف كبير قاربت صفحاته آلافاً ثلاثة، مهما بلغتْ القدرة في الاختصار والتكثيف، لذلك لا غرابة في اللجوء للإشارات القصيرة المعتمدة على فطنة القارئ والتغاضي عن بعض المهم من اجل الاكثر اهمية، فكتاب ((تاريخ الطب الحديث في الاردن وفلسطين منذ القرن التاسع عشر)) للدكتور كامل العجلوني الذي قضى في تأليفه سنوات من العمل الدؤوب وسخّر له قدراته العلمية وعلاقاته الاكاديمية والشخصية والمهنية الواسعة، وربما الأهم من ذلك شغفه بالتقصي للوصول?الى الحقيقة التاريخية، وقد عايشت عن بعد معاناته في بعض مراحل العمل حين كان يستعين لهنيهاتٍ بذاكرتي المتواضعة التي رأى انها تغطي من الزمن الماضي ما قد يبلغ القرن.. فمثلًا شهادتي الحية على تاريخ إنشاء مستشفى الملك عبدالله المؤسس في حرم جامعة العلوم والتكنولوجيا التي كان يرأسها حين كنت وزيرًا للصحة وصاحب رأي مخالف معلن (جرى تجاوزه تمامًا في إحدى غيباتي عن المكتب!) في ان يكون موقع البناء في ارض كبيرة تملكها الوزارة في زبدة فركوح بإربد نفسها وليست بعيدة عنها سبعة عشر من الكيلومترات، وفي أن يكون هذا المستشفى الم?جعي الكبير لكل الشمال الاردني جزءًا من النظام الصحي المتكامل بوزارة الصحة فيشكّل الرعاية الثلاثية بعد الثانوية في المراكز الشاملة في، وبما لا يتعارض مع دوره كمستشفى جامعي تعليمي لطلاب كلية الطب لا بل يثري هذا الدور ويعززه..

لقد اعتمد المؤلف ربما أكثر ممن سبقوه في التصدي لهذا التاريخ تحديدًا على التوثيق الدقيق بما يطمئن اي مطلع او باحث يستعين به كمرجع رصين، اما في مجال الرأي والتحليل والاستنتاج فالأمر مختلف اذ قام بنفسه بتفسير الدوافع التي كانت مثلاً وراء خدماتٍ صحية خيرية قدمتها كنائس أوروبية وأميركية مختلفة في فلسطين وشرق الاردن وسوريا ولبنان في القرنين الماضيين كمستشفيات او مؤسسات تعليمية ككلية الطب في كل من الجامعة الاميركية واليسوعية في بيروت او مستشفيات تعالج الفقراء بأجور زهيدة كالإيطالية في دمشق وعمان والكرك، والهوسپيس?والاوغستا ڤكتوريا في القدس، بانها في حقيقتها ليست الا تبشيرية ذات أهداف دينية بائته منذ الحروب الصليبية، مع انها وإن بدت في ظاهرها كذلك فقد أسفرت عن ظلمها لسمعة المواطنين المسيحيين امام اخوانهم المسلمين، وقد كشفت دراسات اخرى وردت في مراجع غربية مستقلة أنها كانت تعمل بتوجيه أجهزة استخبارات بريطانية وفرنسية واميركية، استهدفت التمهيد لمخططات سياسية تم تنفيذها لاحقًا باغتصاب فلسطين وإنشاء اسرائيل وتقسيم المنطقة العربية الى دويلات ضعيفة.. ولا أظن أن المؤلف قد تفاجأ بوجود اختلاف في الرؤى بين ما استنتجه حول بعض ا?وقائع وبين ما استنتجته وسواي من المهتمين، لا سيما وأني عبرت عنه في مقالات سابقة أو ناقشته معه وجاهياً.

وبعد.. فليس من قبيل المجاملة القول بأن الدكتور كامل العجلوني يستحق الثناء على ما بذله من جهد في إخراج هذا الكتاب الوثائقي الكبير، بما لا يقلل من إعجابنا بمؤلفات اخرى صغيرة مبعثرة حول هذا التاريخ.

ترى، هل انصفتُ الكتاب ام الكاتب.. ام كليهما ظلمتُ؟!