ليس جديدا القول إن العالم العربي يعتمد في غالبية احتياجاته الأساسية على الاستيراد من الخارج بكل ما يترتب على ذلك من كلفة إضافية بالعملات الصعبة تتمثل بأجور النقل والتامين والجمارك التي يتحملها بالنتيجة المستهلك، لكن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت مجدداً، حجم الهشاشة العربية بالنسبة لتوفير الاحتياجات الغذائية الأساسية خاصة «الحبوب والزيوت»، والاعتماد الرئيسي في التزود بها على الاستيراد.
ورغم ما يمتلكه العرب من مساحات زراعية ومصادر مياه كبيرة جداً، وأيد عاملة كثيفة فضلاً عن فوائض مالية هائلة، ظل العجز الغذائي في الوطن العربي في تفاقم مستمر، ولو استثمرت هذه القدرات بشكل رشيد، لتم إنتاج الاحتياجات اللازمة للاستهلاك والتصدير من مختلف أصناف المواد الغذائية، من حبوب وخضروات وفواكه ولحوم وغيرها.
كان من النتائج المباشرة والسريعة للحرب الروسية الاوكرانية، انفجار أزمة غذاء لم تقتصر على العالم العربي فقط، بل طالت الكثير من بلدان العالم وخاصة النامية والفقيرة منها، وبحسب أحدث تقرير لمنظمة التجارة العالمية تُعَد روسيا وأوكرانيا من المصدرين المهمين للمنتجات الأساسية، وصدَّر البلدان عام 2019 حوالي 25 بالمئة من القمح العالمي، و15بالمئة من الشعير، و45 بالمئة من عباد الشمس.
وخلال أقل من شهرين من اندلاع الحرب، قفزت أسعار الحبوب والزيوت بنسبة 30 بالمئة، فضلاً عن ارتفاع تكاليف الشحن والنقل، بالاضافة إلى أن أسعار المواد الغذائية كانت تعاني أصلاً من اضطرابات، في سلاسل الإمداد والتوريد الناجمة عن تفشي جائحة كورونا، والفجوة الناتجة عن العرض والطلب وارتفاع مستويات التضخم، فضلاً عن التقلبات المناخية «ارتفاع درجات الحرارة وشح الأمطار والجفاف والفيضانات».
وفي الأرقام تقدر مساحة الأراضي القابلة للزراعة، في البلاد العربية نحو 200 مليون هكتار، ما يعادل ملياري دونم «الهكتار يساوي 10 دونمات»، وهذه المساحة تزيد عن 14 % من المساحة الكلية للوطن العربي المقدرة بـ"1402"مليون هكتار، لكن المساحة الزراعية الكلية المستغلة في المنطقة العربية تقدر بحوالي 70 مليون هكتار فقط, وذلك يعني أن حوالي ثلثي الرقعة القابلة للزراعة في الوطن العربي لا يزالان غير مستغلين.
وبالمقارنة فإن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في أوكرانيا، تقدر بـ 40 مليون هكتار"400» مليون دونم » من مجموع مساحة الدولة، المقدرة بحوالي «600» ألف كيلومتر مربع، وتشير الاحصائيات الى أن العديد من الدول العربية تعتمد بشكل رئيسي على روسيا وأوكرانيا بنسبة 82 بالمئة في استيراد القمح، بواقع 42 بالمئة من القمح الروسي ونحو 40 بالمئة من القمح الأوكراني!
أين ذلك مما نسمعه من تصريحات ومؤتمرات وتنسيق ثنائي وجماعي عربي؟ وعن استراتيجيات التكامل بين الدول التي تمتلك موارد زراعية «الأراضي الصالحة للزراعة والمياه» من جهة، والدول التي تمتلك الإمكانيات المالية القادرة على شراء أو توطين التكنولوجيا الزراعية؟