تمر هذه الأيام ذكرى نكبة فلسطين، وكالعادة يحيي الشعب الفلسطيني في الداخل وفي المهجر هذه الذكرى بفعاليات مختلفة، وتقوم وسائل الاعلام باستذكار النكبة بمواد وثائقية من الارشيف، أو كتابة بعض المقالات وإعداد برامج تلفزيونية، كما تنظم الأحزاب والمؤسسات الأهلية ندوات ومحاضرات بالمناسبة، وهذه حالنا منذ أكثر من 70 عاما، ومقابل ذكرى النكبة وما يرافقها من إحياء للتراجيديا الفلسطينية، تحتفل دولة الاحتلال بما يسمى «يوم الاستقلال» يوم 5 أيار حسب التوقيت العبري، وبتاريخ 27 نيسان تحيي ما يسمى في الأدبيات الصهيونية «ذكرى ا?كارثة والبطولة»، وتعني تمرد بعض «غيتوهات» اليهود في أوروبا على النازية، والتذكير بما يسمى بـ «الهولوكوست-المحرقة"! تتعدد وجهات النظر بشأن «المحرقة»، وأصبحت وسيلة ترهيب وابتزاز بيد الحركة الصهيونية ودولة الاحتلال، وغير مسموح لأحد التشكيك بعدد القتلى «ستة ملايين يهودي» حسب الرواية الصهيوينة، وهنا يمكن التذكير بمحاكمة المفكر الفرنسي الشهير روجيه غارودي، بضغط من اللوبي اليهودي بتهمة «معاداة السامية»، لأنه شكك في كتابه «الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية»، بمقتل 6 مليون يهودي، واعتبر أن الرقم يحتاج لمراجعات وتحليل علمي، وخلص الى نتيجة أن اسرائيل استغلت هذه المذابح، لأخذ تعويضات لبناء دولتها! وضمن عملية استثمار «المحرقة» سياسيا وثقافيا، أقامت دولة الاحتلال متحف «ياد فاشيم» في غربي القدس المحتلة، وبسبب الضغوط الصهيونية والدعم الغربي لها، أصدرت الامم المتحدة عام 2005 قرارا بإحياء ذكرى المحرقة بتاريخ 27 كانون الثاني من كل عام، ويتضن القرار تعليمات وارشادات للدول لتطوير مناهجها التعليمية والحفاظ على المناطق الاثرية المتعلقة بتخليد ذكرى المحرقة، بمعنى فرض الرؤيا الصهيونية المتعلقة بهذه المناسبة على العالم، بكل ما تنطوي عليه من ابتزاز وتزوير وتضليل.
والحقيقة أن الشعب الفلسطيني هو صاحب وصف «الكارثة والبطولة»، نتيجة للظلم القاسي الذي تعرض له في احتلال وطنه، وما رافق ذلك من مجازر وتهجير ملايين الفلسطينيين، ولا يزال الشعب الفلسطيني يدفع يوميا ثمنا باهظا، من خلال الاعتداءات والقمع والاعتقالات والاستيطان وتضييق سبل العيش وسقوط الشهداء بدم بارد، وكان أحدث جرائم العدو في هذا الصدد اغتيال الصحافية المميزة شيرين ابو عاقلة–رحمها الله- رغم أنها كانت ترتدي سترة الصحافة، لكن العدو يسعى دائما الى تغييب الحقيقة.
ويبقى السؤال الجوهري لماذا نجحت الحركة الصهيونية بإقامة آخر كيان استيطاني في العالم، رغم أن هذه الدولة تتشكل من مهاجرين قدموا من مختلف انحاء العالم، لا تربطهم علاقة قومية، بل تم دفعهم وتحفيزهم من قبل الصهيونية بشعارات توراتية – تلموذية، تزعم أن فلسطين هي «أرض الميعاد"! وبالمقابل تراخي العرب في توحيد صفوفهم رغم ما يتوفر لهم من ثقافة وتاريخ واحد وجغرافيا واسعة متصلة وثروات هائلة، وأوراق ضغط سياسية واقتصادية ودبلوماسية قوية!.
ويبقى سؤال معلق بالمخيلة: هل نحن بحاجة إلى حركة صهيونية «عربية» لمواجهة هذا الخطر؟ [email protected]