التحولات التي ستطرأ على الشرق الأوسط بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية تقودنا لمعرفة مدى هشاشة النظام العالمي القديم خاصة مع تركيز الولايات المتحدة على منطقتين جيوسياسيتين مهمتين لها أكثر من غيرهما وهما: المناطق المحيطة بروسيا والصين. الدول الحليفة للغرب ستجد نفسها مضطرة إلى مراجعة تحالفاتها لأن روسيا ومعها الصين ستدخلان الشرق الأوسط وأفريقيا من بابه «العالي».
دخل العالم في مسار جديد غير الذي كان فيه منذ نهاية الحرب الباردة، مع رغبة روسية صينية لتغيير النظام العالمي لأنه ما عاد نظاما عادلا لمصالح الجميع. العملية العسكرية في أوكرانيا تسعى وفق المصادر الروسية لحماية الأمن القومي الروسي من تمدد حلف الـ «ناتو» شرقا.
اليوم، روسيا تتعامل مع بعض الأطراف في الشرق الأوسط والعالم بدبلوماسية باردة مبقية شعرة معاوية معها حتى إشعار آخر حين «تبدل الأرض غير الأرض» وتتكشف التواطؤات التي مارستها بعض الدول الشرق أوسطية ذات الأفق الضيق منذ عدة عقود لأجل تدمير بعض الدول العربية لمصالح لاعبين خارجيين. كما أن موسكو تراعي تقوية التحالفات وسحب البساط من تحت قدم حلف الـ «ناتو» وهذا ما يفسر مواقف بعض الدول العربية من الحرب الروسية الأوكرانية.
وهنا لا بد من التذكير بما قاله لوثر كينج: «لا يستطيع أحد أن يركب ظهرك إلا إذا كنت منحنيا». وهنا نرى أن دول المنطقة ما عادت تقبل منطق الراكب المجاني. بعض تلك الدول بدأت تلمس تبدلاً حقيقيا في السياسة العالمية وخارطة النفوذ ما دفعها الى تغيير مواقفها تجاه الصراع في شرق أوروبا على عكس ما تشتهي رياح الغرب.
في الوقت ذاته، تستمر بعض الدول الغربية في دعم الفوضى في الدول الأوراسية، وخلق توترات في مضيق تايوان كنقطة نزاع عسكري قادم، وإذكاء نار الفتنة الحدودية بين الهند والصين وباكستان. قبل أيام نشر أحد مراكز الدراسات الأمنية الروسية تقريرا يشير فيه إلى أنه في الأشهر القليلة المقبلة، سوف تتخذ المواجهة بين روسيا والغرب طابع حرب النفوذ السياسي والاقتصادي، وهو ما سوف يجبر أسعار المواد الغذائية والطاقة على الارتفاع بشدة في الاتحاد الأوروبي، ما يجبرها على تقديم تنازلات عكسية لروسيا واستئناف الشركات الأوروبية نشاطها في روسيا بعد أن تخرج من عباءة الـ"ناتو» العسكرية.
هذا ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقابلة على قناة روسية من أن الأسلحة الغربية التي تتسلمها أوكرانيا مؤشر على أن «حلف شمال الأطلسي في واقع الأمر منخرط في حرب مع روسيا وأن موسكو تعد هذه الأسلحة أهدافا مشروعة».
وقال في مقابلة سابقة إن «خطر الحرب النووية حقيقي. فإذا ما اندلعت الحرب العالمية الثالثة فستشهد استخدام أسلحة نووية وستكون مدمرة». وهذا ما يدفع عددا من الدول في الشرق الأوسط الى التأمل بالمواقف الدولية والتريث قبل دعم السياسات الغربية تجاه روسيا.
وما نشهده من حوار خليجي إيراني في العراق يشي بأن هناك تحولات مهمة تجري في المنطقة تجاه التحالفات الجديدة التي سترسم معالم النظام العالمي الجديد بقيادة روسية صينية.