لم يستغرب أحد أن تكون رسالة الفصح الى مدينة روما والعالم، هذا العام منصبة بشكل كبير على الوضع في اوكرانيا، فصاحب الرسالة، البابا فرنسيس، ما دأب منذ بدء «جائحة» الحرب، يندّد بالعنف والقتل والتدمير والتهجير. وقد أرسل مندوبين له لكي يبقوا الى جوار اللاجئين في بولندا أولا، ومن ثم ارسلهم ليحتفلوا بالفصح بأجواء استثنائية داخل اوكرانيا. قال البابا فرنسيس من الشرفة الرسمية التي يلقي منها رسالته الفصحية سنويا:
ليحلّ السّلام في أوكرانيا المعذبة، التي امتحنها العنف ودمار حرب وحشيّة، لا معنى لها، جُرّت إليها. في هذه الليلة الرهيبة من الألم والموت، لِيُشرِقْ سريعًا فجر رجاء جديد! اختاروا السّلام. وتوقّفوا عن استعراض العضلات بينما الناس يُعَذَّبُون. من فضلكم، لا نتعوّد على الحرب، ولنلتزم جميعًا بأن نطلب بصوت عالٍ السّلام، من الشرفات وفي الشوارع! من لديه مسؤولية الأوطان، فليسمع صرخة الناس للسّلام. وليُسمَع هذا السؤال المقلق الذي طرحه العلماء منذ سبعين سنة تقريبًا: «هل تنتهي البشريّة أم تتمكّن البشريّة من إنهاء الحرب؟"
ثم انتقل الى الحديث عن المآسي التي ما زالت تقلق العالم، ومثل السنة الماضي، احتلت الدول العربية نصيب الاسد في صلوات الفصح، وابتدأ اولا في القدس، داعيا الى السماح بدخول الاماكن المقدسة بحرية: «ليحلّ السّلام في الشّرق الأوسط، الذي مزّقته الانقسامات والصّراعات منذ سنوات. في هذا اليوم المجيد لنطلب السّلام للقدس والسّلام لكلّ محبِّيها: المسيحيّين واليهود والمسلمين. لِيَختَبِر الإسرائيليّون والفلسطينيّون وجميع سكّان المدينة المقدّسة، والحجّاج إليها، جمال السّلام، والعيش في أخوّة، والدخول بحريّة إلى الأماكن المقدّ?ة، والاحترام المتبادل لحقوق كلّ واحد».
ثم قال، ليحلّ السّلام والمصالحة على شعوب لبنان وسورية والعراق. واكمل متوجها الى ليبيا، ليحلّ السّلام أيضًا في ليبيا، حتّى تجد الاستقرار بعد سنوات من التوتّرات، وانطلقت «طائرة الصلوات » من روما الى اليمن، فقال: ليحل السلام في اليَمَن الذي يتألّم من صراع نَسِيَهُ الجميع، والضحايا فيه مستمرّة: أرجو أن تُعِيد الهدنة الموقّعة في الأيّام الأخيرة الرّجاء للسكّان.
وطبعا توجهت النيات والصلوات الى ميانمار وافغانستان، والقارة الافريقية وحتى اميركا اللاتينية حيث تتفاقم الجريمة والعنف والفساد والاتجار بالمخدرات.
جميل جدا في أيام الاعياد ان يخرج الانسان من نطاقه الضيّق، وأن يدعو بالصلاة من أجل كل انسان يتألم في الكون. وقد خرجت البشرية من نفق كورونا، بشكل شبه نهائي، جنبا الى جنب ويدا بيد، لكي تواصل مسيرة البناء والتقدم والازدهار، الا انّ العطش الحقيقي والدائم هو الى السلام الذي ما زال غائبا عن العالم، وان بدت أجواء هادئة في بعض المناطق التي شهدت صراعات في السنوات الماضية.وليت كورونا وهي في طريق المغادرة النهائية، تأخذ معها جائحة الحروب الى غير رجعة.
وهنا لا يمكن للانسان ان يتخطى الحديث عن القدس الشريف، المدينة المقدسة، والتي يحتفل الناس فيها في هذه الايام، بالاعياد المجتمعة معا: الفصح المسيحي ورمضان المبارك، والفصح اليهودي. فلم لا يكون هذا التجاور بالاحتفالات، حافزا على الالفة والتلاقي، واحترام مشاعر الناس، بدل الاستفزازات والاقتحامات المتواصلة التي يحدثها الاسرائيليون حاليا، تجاه المصلين في القيامة والاقصى، وهي اعمال تهدف الى تغيير الوضع الراهن في المقدسات؟ ليت العالم يعرف بأنّ السلام العادل والحقيقي في القدس، سيكون مفتاحا للسلام في العالم أجمع.
ولننهِ مع رسالة البابا فرنسيس: «السّلام ممكن، والسّلام واجب، والسّلام هو المسؤولية الاولى على جميع الناس !».