كل ما يدور ودار حولنا خلال السنوات الماضية من تحديات وأزمات متكررة عصفت في اقتصاديات العالم والمنطقة، وما تبعها من هزات اقتصادية وارتدادات عميقة واجهها اقتصادنا الوطني الذي استطاع امتصاصها وتحويل بعضها إلى فرص، جعل العالم ونحن قبلهم نتساءل، هل اقتصادنا قوي ومن أين تأتي عناصر قوته وكيف استطاع الصمود؟
أربعة عناصر مهمة لعبت دوراً في جعل اقتصادنا قادراً على مواجهة تلك التحديات، أولها الرؤية والتوجيهات الملكية المستمرة التي تتابع وترسم خارطة طريق للاقتصاد الوطني من خلال جذب الاستثمارات وتنوعها ومتابعة مشاكل وهموم القطاع الخاص والتوجيه الدائم بوضع الحلول لها، بالإضافة إلى السياسة الحكيمة التي نأت بالأردن عن الصراعات الدائرة في المنطقة والعالم فجعلته واحة للأمن والأمان والاستقرار، وثانيا الشراكة بين القطاعين العام والخاص في وضع الخطط والمتابعة والتشجيع والتطوير والتنسيق على مواجة كافة الاحتمالات، وثالثها متا?ة الجهاز المصرفي في المملكة الذي استطاع الإبقاء على قوة دينارنا وعملتنا وتحوطاته من العملات الاجنبية قادرة على جعل المملكة في حالة من استقرار في معاملات الاستيراد والتصدير، وأما العنصر الرابع والمهم فيتمثل في تنوع الاقتصاد الوطني.
لعل ما يميز اقتصادنا عن مختلف الاقتصاديات في المنطقة والعالم حالة التنوع التي يشهدها وتكامليته في مختلف القطاعات، فهو اقتصاد سياحي ومالي واستثماري وصناعي وتجاري وتعديني وخدمي وتكنولوجي وزراعي وتصديري، الأمر الذي جعل منه رغم ضعف الامكانيات والموارد وكونه اقتصاداً ناشئاً ومستهلكاً يواجه تلك التحديات والأزمات التي أجبرتنا عليها الظروف العالمية والاقليمية بكل مرونة.
المتابع منا إلى الظروف والمعانة التي تواجهها اقتصاديات دول مشابه لظروف اقتصادنا، وأيضا اقتصاديات دول كبرى أمام التحديات التي نواجهها نحن اليوم وعشناها سابقا، تجعلنا واثقين بأن اقتصادنا استطاع أن يعبر بنا الى شواطئ الأمان في كل مرة واجهنا تحدياً اقليمياً أو عالمياً كبيراً، فالاقتصاد لدينا استطاع خلال السنوات الماضية مواجهة حرب الخليج والتحديات التي واجهها خلال هذه الفترة وكما استطاع تحمل فاتورة اللجوء العراقي وبعدها الأزمة المالية العالمية والربيع العربي وانقطاع الغاز المصري والحصار الاقتصادي بسبب اغلاق الح?ود والمعابر مع أهم الشركاء تجاريا وارتفاع فاتورة الطاقة واللجوء السوري والإرهاب وكورونا وها هو بنفس الوتيرة يواجه أزمة الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها.
وكل هذه التحديات ومازال اقتصادنا يسجل أعلى المؤشرات على مستوى المنطقة والعالم اقتصاديا في النمو والقدرة والجاذبية على جذب الاستثمارات والملاءة المالية، بالإضافة إلى استقرار معدلات التضخم عند معدلات جيدة مقارنة بارتفاع أسعار السلع العالمية، والمحافظة على قيمة العملة الوطنية الدينار كأقوى رابع عملة على مستوى العالم أمام الدولار، وكذلك استمراره في رفع معدلات التصدير إلى الخارج وخاصة الخدمات والتكنولوجيا والأعمال الريادية، وسيطرته على معدلات البطالة والنجاح في خفضها.
أخيرا.. أمام اقتصادنا تحديات جمة وكبيرة وتحتاج إلى تعزيز عناصر تفوق قدرته على امتصاصها وتحويلها إلى فرص، من خلال وضع الخطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد، ومزيد من الشراكة ما بين القطاعين ومن هنا كانت الرؤية الملكية لعقد الورشة الوطنية الاقتصادية التي ستحمل في توصياتها التعزيزات والحلول القادرة على تحويل تلك التحديات إلى فرص من جديد.. نعم اقتصادنا قوي وسيبقى.