لقد نوه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين خلال استعراضه السلوك السياسي الدولي تجاه قضية انسانية عامة واعني هنا وباء كورونا بان السلوك السياسي للدول في التعامل مع هذا الوباء العابر للقارات والطوائف والطبقات والذي لم يستثنِ احدا ولم يخضع لمحاصصات النخبة التقليدية بنفس الطرق التقليدية القائمة على المصالح النخبوية ومن خلال الثقل السياسي والاقتصادي للدول واولوية العلاج ضمن اطار النحنوية البغيضة وبذلك وضمن اطار عدم التوازن في علاج هذه الكارثة البيئية الانسانية والتي تحولت الى قضية طرحت مسألة العدالة في توزيع?اللقاحات كقضية انسانية لا يمكن التعامل معها ضمن اطار اولوية المواطن المنتمي الى هذه الدولة او تلك وهو ما ادى الى المتحورات التي تتابع لهذه الكارثة الوبائية لذلك طرح جلالة الملك وبالتواصل مع حكماء العالم بانه آن الاوان الى انسنة السلوك السياسي للدول لان غياب الانسانية كمحور سيؤدي الى كوارث تضرب الانسانية جمعاء ليس فقط من خلال الاطار الصحي والبيئي انما ايضا في الاطار السياسي وان التوازن والعدالة والحس السياسي القائم على محورية الانسانية بات ضرورة ملحة وان التعاون والتكافل وتكامل المعرفة الانسانية سيضع كل دول?العالم امام الاستحقاقات الحقيقية للتنمية الشمولية التامة.
نقول هذا الكلام كمقدمة لاستعراض بوادر الحرب الكارثية التي تعصف في اوروبا من خلال عدم تقدير تبعياتها الكارثية على كل العالم وذلك انطلاقا من المعالجات السياسية الانتهازية التقليدية في العلاقات الدولية والقائمة على الكيل بمكيالين ووضع الاولويات الوطنية الخاصة فوق الاعتبارات الانسانية عند الاقدام على اي تحرك سياسي او عسكري وخاصة العسكري دون النظر الى تبعاتها على الكل الانساني فما يحصل في اوروبا من اجتياح عسكري روسي لاوكرانيا هو عمل مرفوض بكليته ولكن المعالجة تأتي من خلال ذلك الضغط الهائل الذي جعل القيادة الروس?ة تذهب بهذا المنحنى فكل ما تم الاتفاق عليه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وحل حلف وارسو بان لا يتمدد حلف شمال الاطلسي لدول شرق اوروبا لان ذلك يعني الاقتراب الكلي من المصالح الحيوية والسيادية للفدرالية الروسية وهو ما ضرب بعرض الحائط من قبل حزب الناتو وادخل مجموعة من الدول اثناء فترة حكم الرئيس يلسن مثل بولندا ولاتفيا واستونيا ورومانيا وبلغاريا وهلم جرا.
وبعد ما سمي بالثورات البرتقالية في شرق اوروبا بدأ الطرح من قبل حلف الناتو بالامتداد جنوبا نحو جورجيا وغربا نحو اوكرانيا لاستكمال الطوق على العمق الروسي.
هذا ما جعل روسيا تتحرك بشكل عسكري وانهاء هذا المشروع في جورجيا واستولت نتيجة لذلك على منطقة ابخاديا واعتبروها دولة مستقلة وهو ايضا ما حصل وعلى اقليمي دنيسك ودونبس وهما اقليمان غالبيتهما روسية وجزيرة القرم طبعا والتي سيطر عليها الاتحاد الفيدرالي الروسي واعتبرها جزءاً لا يتجزأ من الاراضي الروسية وهو ما فتح صراعا في شرق اوكرانيا بين الدولة الاوكرانية ذات التوجهات الغربية والاقليمين ذاتا الاغلبية الروسية منذ عام 2014 الى يومنا.
هذا الصراع كان كارثيا بالوجه الانساني ولكنه غيب تماما عن الاعلام اثر اتفاقية بين اوكرانيا وروسيا والاقليمين بالتعامل معهما ضمن اطار حكم ذاتي موسع وهو ما لم يحصل.
لذلك بدأ حلف شمال الاطلسي وخلال الضغط الاميركي بالتلميح الى ضم اوكرانيا الى الحلف وهو ما جعل روسيا تهدد بان الضمانات الامنية للفدرالية الروسية تنبثق من الحياد الاوكراني في كل ابعاده كمثيلاتها في فنلندا والنرويج.
كل ذلك ادى الى هذا الصراع والذي سمتهم الاساسية عدم الاحتكام الى حكمة حكماء العالم وعلى رأسهم جلالة الملك عندما اعتبر ان ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية ستؤدي الى كارثة انسانية اذا ما لم تتنبه دول العالم الى ان الانسانية هي المحور الاصيل وهو ما حصل الآن.
اننا لن نجري مقارنة بحجم الضغوط التي تمارس على روسيا ليس فقط تلك التي تسبق الحروب الكبرى مثل الضغط الاقتصادي انما تعدى ذلك الى هدف مرعب في عزل روسيا انسانيا وليس عسكريا باستهداف رجال الاعمال الروس والرياضيين والفنانين واخراجهم خارج اطار التفاعل الانساني وهو ما سيؤدي الى رد فعل اكثر قوة اتجاه العقيدة الروسية الحربية القائمة على التدمير الشامل والتي ما زال يتجنبها الجيش الروسي ولكنه على ابواب التهديد بالسلاح النووي اذا ما استكمل مخطط العزل لروسيا وهو ما سيؤدي الى رفع مستوى التعاون الصيني الروسي وخاصة ان الصي? تخطط ايضا لاعادة تايوان الى البلد الام وهي الصين الكبرى وهي المرحلة القادمة من كارثة ستضرب كل مرتكزات الاقتصاد في شرق آسيا وهي نتيجة طبيعية لبعد قادة العالم عن مفهوم انسنة السلوك السياسي للدول التي نبه لها جلالة الملك ونوه لها قبل الكارثة الوبائية لكورونا من خلال طرح مبادرة الوئام بين المجتمعات والتي تبنتها الامم المتحده.
ان حجم الضغوط وذلك الاعلام الممنهج والمنظم ضد كل ما هو روسي يجعلنا نطرح سؤالا كبيرا اين الآلة الاعلامية الكبرى والضغط الهائل عندما يتعلق الامر في دولة الفصل العنصري واعني هنا الكيان الصهيوني والذي يوظف هذا الانشغال الدولي والاعلامي وغياب القضية الفلسطينية عن منصاتها الاعلامية ابشع صور التصفيات الميدانية وابشع صور اهدافه في التغيير التراثي والتاريخي للمكان والزمان وهو ما ادى الى امتداد ذلك الى مدينة الخليل والحفريات الصهيونية تحت الحرم الابراهيمي والذي تمارسه ايضا في الاقصى المبارك بالتوازي مع تصعيد غير مسب?ق ضد جنين ونابلس والتي سقط خلال اسبوع واحد اكثر من ستة شهداء والاجراءات العقابية غير المسبوقة ضد الحركة الاسيرة ولا حياة لمن تنادي وقس على ذلك احتلال العراق وافغانستان كل ذلك لن يؤدي الى أنسنة السلوك السياسي لهذه الدول ولكنها تمارس في هذا الوقت اقصى اشكال الضغط والتي ذهبت الى قرار للجمعية العامة للامم المتحدة ضد الغزو الروسي مع ان قرارات الجمعية العامة الخاصة بالقضية الفلسطينية والتي انصفتها لم تؤخذ باي شكل من الاشكال بعين الاعتبار وهي غائبة تماما عن الاجندات الدولية فسبحان الله على تلك الازدواجية والتي اذ? وضعت الدب الروسي في الزاوية فالله وحده العليم بمدى الكارثة الانسانية الهائلة اذا ما تم الصدام بين روسيا وحلف شمال الاطلسي والذي سيكون صداما نوويا كارثيا وهو ما المح اليه جلالة الملك عندما طرح مفهوم الانسانية كمحور اصيل وكنتيجة طبيعية لدرس كورونا ولكن لا حياة لمن تنادي.
