المضاربة على سعر النفط باتت هواية مفضلة لدى دوائر معينة، ومنها صناديق التحوط. فعدد من المختصين في شؤون الطاقة يرون أن سعر النفط الخام قد يرتفع إلى ٣٠٠ دولار أميركي للبرميل في ظل خوف المنتجين من ذروة الطلب على النفط نتيجة الاعتماد المتزايد على السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
إن وصول سعر برميل النفط إلى ١٥٠ دولاراً أميركياً أو أكثر سيمهد لانهيار الاقتصاد العالمي فالطاقة عامل رئيس في إنتاجية العمل. ومع ارتفاع أسعار النفط، تفقد العمالة إنتاجيتها، مما يؤدي إلى انهيار أسواق العمل وطلب المستهلكين ما سيؤدي إلى ركود عالمي شامل.
فلو افترضنا أن سعر النفط وصل إلى ٣٠٠ دولار أميركي، فذلك يعني أن سعر البنزين والديزل سيصل في المعدل إلى ٨ دولارات. فكيف سيعمل الاقتصاد الاستهلاكي عندها؟ كيف سيكون الوضع في الدول غير المنتجة للطاقة؟ هل ستنتعش تجارة السيارات الجديدة؟ حتى إذا كنت ترغب في شراء سيارة كهربائية، فهل لديك ثقة كافية في وضعك الوظيفي لإجراء عملية الشراء؟ في كل الأحوال فإن ارتفاع أسعار النفط سيؤدي الي ركود متزايد عالمياً مع ارتفاع معدلات البطالة مع تجمد الاستثمار والاستهلاك.
قد يبدو سعر النفط ٣٠٠ دولار لبرميل النفط خيالاً، لكننا في علم الاقتصاد والسياسة لا نستبعد هذا السعر مع أنه كابوس اقتصادي لأي دولة غير نفطية.
في تموز (يوليو) ٢٠٠٨، بلغ سعر النفط ذروته عند ١٤٥ دولاراً للبرميل، ولكن هذا من حيث القيمة الاسمية. الدولار اليوم، بعد ١٣ عاماً، لا يتمتع بنفس القوة الشرائية التي كان يتمتع بها الدولار في ذلك الوقت. إذا استخدمنا معدل التضخم الرسمي لمؤشر أسعار المستهلك (CPI) الذي يقارب ٢٪، فإن أعلى مستوى فعلي على الإطلاق للنفط بالدولار اليوم هو أقرب إلى ١٩٠ دولاراً للبرميل. فماذا لو، كما يعتقد معظم أصحاب التفكير السليم، كانت الحكومات تقلل بشكل منهجي من التضخم في الأرقام الرسمية لسنوات؟ إذا كنا نعتقد أن معدل التضخم الحقيقي كان ٤٪ منذ عام ٢٠٠٨، فإن السعر الجديد للنفط يصبح ٢٤٠ دولاراً للبرميل. وعند ٦٪ يصبح ٣١٠ دولارات للبرميل.
فهل شهدنا تضخماً بنسبة ٦٪ سنوياً منذ العام ٢٠٠٨؟ إذا قمنا فقط بحساب مؤشر أسعار المستهلك بالطريقة التي اعتادت عليها الحكومات في عام ١٩٩٠، فسنحصل على متوسط معدل تضخم خلال هذه الفترة قريب من هذه المعدل. وإذا قمنا بحساب مؤشر أسعار المستهلك بالطريقة التي اعتادت عليها الحكومات في ١٩٨٠، فإننا نقترب من ١٠٪.
دعونا ننظر إلى الأمر بطريقة أخرى. فلنفترض أن الذهب هو المال الحقيقي الوحيد. فكم من الذهب يشتري لك برميل نفط اليوم؟ إنها كمية منخفضة بشكل صادم ٣.٦ ٪ أونصة ذهب تقريبا فقط. أي ما يقارب من ١ غرام من الذهب. ولكن حين تم تداول النفط عند سعر ١٤٥ دولاراً في العام ٢٠٠٨، كان سعره مقارنة بالذهب يمثل ١٥٪، واليوم ومع اندلاع المواجهة الروسية الأطلسية في أوكرانيا، وصل سعر الذهب إلى ١٩٤٠ دولاراً للأونصة، ما يعني أن سعر برميل النفط مقارنة بالذهب وصل إلى ٢٨٥ دولاراً.
فكيف ستتعامل الحكومات التي تستورد النفط والغاز؟ وكيف سيكون وضع الدول التي لا نفط، ولا غاز ولا انتاج لديها ومديونيتها الخارجية تتجاوز الـ ٩٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي؟