إن المواجهة الروسية الأوكرانية ترسم للعالم مستقبلاً غامضاً اقتصادياً وسياسياً وسط توقعات برسم نظام عالمي جديد طال مخاضه، يشي بتغيير بوصلة التحالفات القديمة. فحين بدأت نيران الحرب بين الجارتين، تراجعت أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم، ما يؤكد المخاوف المتزايدة من أن الحرب المطولة ستلحق الخراب بالنظام الاقتصادي العالمي.
فكيف ستؤثر تلك الحرب سلباً على الاقتصاد العالمي بالفعل؟
أولاً: أسواق الطاقة
شهدت أسواق الطاقة العالمية المزيد من ارتفاع أسعار النفط والغاز. فقد تسببت الأيام الأولى من المناوشات في ارتفاع أسعار النفط بنسبة 9٪ إلى أكثر من 105 دولارات. في غضون ذلك، ارتفعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 50٪، ونقص مخزونها من الغاز بنسبة 30 ٪، وهو ما يعزوه المحللون إلى مخاوف بشأن صادرات شركة غازبروم الروسية المستقبلية.
ثانياً: ارتفاع معدل التضخم
إن ارتفاع أسعار الطاقة سيصاحبه ارتفاع مضطرد في معدلات التضخم ما يؤثر سلباً على معدلات النمو العالمية وسوق العمل. وهنا ستلجأ الكثير من الدول إلى الإنفاق الرأسمالي والاقتصادي. كما أن النزاع بين روسيا وأوكرانيا سيؤثر حتماً على سلاسل التوريد العالمية وسيرفع كلف التأمين البحري لارتفاع مناسيب المخاطر. وهنا فإن معظم تلك الشركات مقرها في المملكة المتحدة.
ثالثاً: روسيا وأوكرانيا مخازن العالم غذائياً
تعتبر روسيا وأوكرانيا مخزنين عالميين للسلع الاستراتيجية الرئيسة في العالم ومنها القمح والذرة والبقوليات والزيوت واللحوم. فبالإضافة الى أن المحاصيل الزراعية، تعتبر روسيا مخزناً للموارد الطبيعية ومنها المعادن النادرة التي تستخدم في الصناعات التكنولوجية.
وتشير الأرقام الصادرة من واشنطن إلى أن معدل التضخم في الولايات المتحدة الأميركية بلغ مستويات غير مسبوقة منذ عام 1982، حيث وصل إلى 7.5%، وفي أوروبا، وصل التضخم فيها إلى أكثر من 5%، ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم هذا في أوروبا إلى 10% وفي الولايات المتحدة إلى 12% إذا ما استمرت الحرب شهراً.
الاقتصاد الروسي يحتل الترتيب 11 ضمن أكبر اقتصادات العالم، إلا أنه لا يمثل سوى 2%من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لكن ارتباط الاقتصاد العالمي وخاصة الاقتصاد الألماني والفرنسي بالاقتصاد الروسي قد يفاقم من حدة البطالة في كلا البلدين لأن الكثير من الصناعات في البلدين تعتمد على السوق الروسية.
سيؤدي التضخم المرتفع والمتصاعد إلى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة التي تؤثر بالفعل على العديد من المستهلكين. كما أنه يمثل معضلة للبنوك المركزية التي كانت تضخ الأموال في الاقتصاد خلال العامين الماضيين من ظهور الوباء. هذه الأزمة ستؤدي إلى إضعاف الاقتصاد العالمي خاصة إذا استمر التضخم في التسارع مع ردة فعل البنوك المركزية لكبح جماح التضخم عن طريق أسعار الفائدة. وهو ما يذكر بأزمة الطاقة في السبعينيات، عندما رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة إلى 10٪ بحلول عام 1978، مما تسبب في ركود عميق. وفي العام ١٩٧٩، رفعت المملكة المتحدة أسعار الفائدة لبنك إنجلترا إلى 17٪، مما سارع في التدهور الاقتصادي هناك.
فكلما طال أمد الأزمة الروسية الأوكرانية، ستكون آثارها أكبر على الاقتصاد الأوروبي أكثر منها على روسيا أو على أي دولة أخرى. لكن ذلك لا يعني أن معدلات التضخم تلك ستهبط بشكل سحري فور انتهاء الصراع. فهنالك لاعبون عالميون وراء الكواليس أشعلوا نيران جائحة كورونا، وهم أنفسهم من أشعل نيران الحرب الروسية الأوكرانية وهم من سيشعل غيرها عما قريب.