إن من أهم مبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية, عدم لجوء الدول لاستخدام القوة, وفض المنازعات الدولية بالطرق السلمية.. ولقد تحدث القانون الدولي عن طرق عديدة لحل النزاعات الدولية الأولى: ابتداء بما يعرف بالحلول الدبلوماسية التي تتم إما من خلال مفاوضات مباشرة, أو من خلال وساطة دول صديقة..
أما الطريقة الثانية لفض النزاع, فهي لجوء الأطراف للحل القانوني, وهو اتفاق يتم بين الأطراف برفع النزاع إلى التحكيم أو القضاء الدولي, (محكمة العدل الدولية), أما إذا كان هناك معاهدة بين الأطراف مسبقاً, نصت بشكل واضح على اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ففي هذه الحالة يصبح عرض الخلاف وجوباً, أو إعلان جميع الأطراف بقبول اختصاص المحكمة بالنظر في النزاع, فيصبح بذلك قرار المحكمة ملزماً للجميع.
وقد حصل ذلك في العديد من النزاعات الدولية, لا يتسع المقام للحديث عنها, مع الإشارة إلى أن لجوء أحد الأطراف للمحكمة الدولية دون موافقة الطرف الآخر, يجعل القرار الصادر عن المحكمة قرارا (استشارياً) غير ملزم, لأنه لم يتم الموافقة عليه من جميع الأطراف, ويمكن لمجلس الأمن أيضاً إحالة الخلاف المعروض عليه إلى محكمة العدل الدولية, لطلب رأي استشاري, وهنا نشير إلى أن مجلس الأمن بالعادة يطلب من الأطراف المتنازعة اللجوء إلى الوسائل الدبلوماسية لحل النزاع, ويقوم رئيس هيئة الأمم المتحدة بتكليف أحد الشخصيات الدولية أو أحد مساعديه لإجراء الوساطة الدبلوماسية بين الأطراف المتنازعة.
القانون الدولي وبخلاف القانون الداخلي, هو قانون (رضائي) وليس إلزامياً, بمعنى أن الدول ترتضي تطبيقه بإرادتها المنفردة من خلال المعاهدات والاتفاقيات التي تلتزم بها, وفي حال مخالفتها تلجأ الدولة المتضررة إلى التحكيم الدولي, للمطالبة بالتعويض المادي, إذا كان الاتفاق له أثر مالي.
أما في حالة الاعتداءات والتهديدات في النزاعات الحدودية أو الإقليمية, فتلجأ الدول المعتدى عليها إلى هيئة الأمم المتحدة, لمطالبة المجتمع الدولي بالتدخل, لكون النزاع يهدد الأمن والسلم الدوليين (العدوان), ويمس بمبدأ حق السيادة الذي يعطي الحق للدولة الحفاظ على أراضيها, ودون المساس بالحقوق السيادية للآخرين, وهنا مربط الفرس. فجميعنا يعلم أننا ما زلنا نعيش نوعاً ما بالحرب الباردة بين روسيا الاتحادية, الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي سابقاً, والدول الحليفة لها في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية. فما زال هذا التوازن الدولي ينعكس على العلاقات الدولية, وكذلك على تشكيل مجلس الأمن في الأمم المتحدة, صاحب اليد العليا في تقرير مصير الأمن الدولي العالمي, بامتلاك الدول الخمس الكبرى حق استخدام النقض (الفيتو) ضد أي من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن, أو صدور قرار اللجوء إلى (الفصل السابع) الذي يبيح استخدام القوة العسكرية لفض النزاع, فلم يعد بالإمكان محاسبة أي دولة على انتهاكاتها للقانون الدولي, لانتمائها لأحد القطبين كما هو الحال مع (إسرائيل).
لقد أردت في هذا المقال, تسليط الضوء قليلاً على جزئية من الشق القانوني في فض المنازعات الدولية, كمقدمة لحديثنا في المقال القادم عن النزاع الروسي الأوكراني من منظور دولي سياسي وقانوني..