يتداخل الفقر والبطالة بالتسول، وتتسع مساحة هذا المثلث إلى درجة يمكن وصفه بـ «المتحور» على غرار متحورات كورونا..! وما يفرزه من أزمات اجتماعية، وجرائم وحالات انتحار وتعاطي المخدرات.. الخ.
ثمة فقر ظاهر يتمثل بالعائلات والأفراد المدرجين في سجلات صندوق المعونة الوطنية، ويتلقون مساعدات متكررة بعضها لا يكفي لتسديد فواتير الكهرباء والمياه، أو تلك الأسر التي توصف بـ «العفيفة»، ولا تملك مساكن تأويها ويتم مساعدتها ببناء منازل لها. لكن هناك فقراً مخفياً لا يظهر على السطح!
في ذروة موجة الصقيع هذا الشتاء، بعث لي صديق يقيم في أميركا، يسألني باستغراب ودهشة عن الاحوال الاقتصادية والاجتماعية في بلدنا؟ فوصفت له الحالة باختصار، فأبلغني أن سيدة أردنية من إحدى قرى الجنوب، بعثت له رسالة عبر «الفيسبوك» تطلب مساعدة، وتشكو من عدم وجود صوبة لتدفئة أولادها، فحذرته من عمليات النصب على الإنترنت، لكنه أكد لي أن السيدة تتحدث بحرقة موجعة، فقال لها: لي صديق أردني «يقصدني» سأستشيره وبعث لي عنوانها لكي أتحقق من الحالة، فوضعني أمام مسؤولية أخلاقية!
اتصلت معها وسألتها بعض الاسئلة، وقلت لها ثمة غرابة أن تطلبي من شخص في بلد بعيد مبلغاً مالياً يقارب 150 ديناراً؟ فأقسمت بأنها ظنت أنه داخل الأردن، لأن اسم عائلته مشابه لاسم إحدى القرى الأردنية وبدا لي أنها صادقة، وبعثت له رسالة بهذا المعنى فسألني: كم أرسل لها فقلت له لست ملزماً بأي مبلغ، هذه مساعدة وجزاك الله خيراً.. وبالفعل بعث لها بنفس اليوم 150 دولاراً..
وبعد ذلك بعدة أيام طرقت سيدة باب منزلي، فخرجت لها: فقالت المدام موجودة، سألتها لماذا؟ فقالت وهي في حالة ذل وإحباط، إنها جاءت من ماركا إلى صاحب محطة محروقات في المنطقة، قيل لها إنه يقدم مساعدات للفقراء لكنها لم تجده، ولا تملك أجرة مواصلات للعودة إلى منزلها، وأضافت أن زوجها توفي مؤخراً ولديها ابن معاق، ومتراكم عليها أجرة منزل وليس لها مصدر دخل، فأعطيتها ما يكفي للعودة إلى مسكنها.
تلفتني الاحصائيات التي تصدرها وزارة التنمية الاجتماعية، بشأن حصاد إنجازاتها الشهرية في ضبط المتسولين «رجالاً ونساء وأطفالاً»، ومن النماذج على ذلك، ضبط 771 متسولاً الشهر الماضي، و913 في الشهر الذي سبقه، وفي أيار 2021 ضبطت 1410 متسولاً، مع وجود ظاهرة عصابات منظمة يقوم القائمون عليها، بتسخير أبنائهم وبناتهم ومجموعة من الأطفال والسيدات للعمل، بمجال التسول في الأماكن العامة وتنظيم توزيعهم وجمعهم!
يوجد متسولون أصحاب حاجة وبعضهم امتهنوا الشحدة لجمع أموال بسهولة، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي دخلت المنافسة التسول الإلكتروني، دون إغفال وجود أصحاب حاجة حقيقيين.