كتاب

نعمة ونقمة.. موقعنا الجغرافي

لقد حبا الله الأردن بموقع جغرافي مميز، حيث يعتبر صلة الوصل والرابط الجغرافي بين آسيا وأفريقيا، وكذلك يربط دول الخليج العربي ببلاد الشام, و يعتبر أيضا البوابة الرابطة بين أوروبا, والخليج العربي.

وإلى هذا البعد الجغرافي المميز, فلقد حبا الله الأردن بنظام ملكي هاشمي، نقي متسامح, استطاع خلال مئة عام من تاريخ الدولة بناء دولة قائمة على علاقة تشاركية، بين الحاكم والشعب, مبنية على المحبة والاحترام المتبادل, وعلى قدرة الإنسان الأردني على الإنجاز. فرغم شح الإمكانات وضآلة الموارد، استطعنا أن نحقق الإنجازات ونبني دولة عصرية أذهلت القاصي والداني..

إننا إذا اتفقنا أن موقعنا الجغرافي المميز, يعتبر نعمة علينا, إلا أن هذا الموقع (الجيوسياسي)، كان في كثير من الأحيان نقمة علينا. فالمتتبع والقارئ لتاريخ الحياة السياسية في الأردن, يعلم أننا وبسبب موقعنا الجغرافي, تحملنا قيادة وشعباً ما لم يتحمله غيرنا, فنحن نمتلك أطول حدود جغرافية مواجهة مع الكيان (الإسرائيلي)، وخاض جيشنا العربي المعارك والبطولات, دفاعا عن فلسطين. وكنا وما زلنا خط الدفاع الأول في الدفاع عن الأمة العربية, ونحن بسبب موقعنا تحملنا أعلى نسبة هجرات بشرية في العالم, من فلسطين سابقا, ومن العراق وس?ريا واليمن لاحقا, اقتسمنا معهم لقمة العيش دون منة.

ونحن وبسبب موقعنا المجاور لفلسطين, كنا هدفاً لبعض الأنظمة العربية الراديكالية، وما قامت به من استهداف ومؤامرات واتهامات ودسائس وفوضى واغتيالات, ومحاولات لزعزعة الأمن, بل وتحملنا أزمات إقتصادية وسياسية, بسبب ويلات الحروب وعدم الاستقرار, الذي تعيشه الدول المحيطة بنا, فصمدنا ولم ننزلق في تصفية الحسابات أو نغرق في وحل الفوضى، ولم نتدخل في شؤون غيرنا.

ونحن وبسبب موقعنا الجغرافي، ومواقفنا الوطنية الثابتة، دفعنا الثمن من دماء أبنائنا الشهداء, في ميادين المعارك العسكرية والسياسية, إلا أننا استطعنا وبحكمة قيادتنا الهاشمية الحكيمة ورجالاتنا الوطنية, أن نتجاوز كل تلك المصاعب والمشاكل, التي لا يمكن لدولة تمتلك أضعاف ما نملكه, من تحمل ما تحملناه, ونحن وبسبب موقعنا الجغرافي ومواقفنا الوطنية أيضا, ما زلنا نتحمل عبء الأزمات السياسية التي تواجه أمتنا العربية, نقف وحيدين في مواجهة الأطماع الإسرائيلية في فلسطين.

إن المتتبع للمستجدات على الساحة العربية في العقود الأخيرة, وبخاصة في السنوات القليلة الماضية، يعلم أن الخريطة السياسية للعالم العربي قد تغيرت, وتغيرت معها الأولويات, فأصبحنا نقع بين (فكي كماشة)، إذ تغيرت الأولويات والمصالح والتوازنات الاستراتيجية الدولية والعربية, فأصبح عدو الأمس صديق اليوم, بل إن البوصلة العربية أصابها التوهان، فلم يعد الأردن في نظر البعض قلعة الصمود, فأصبحت مواقفنا وصمودنا شأنا داخلياً..

وبالنهاية نقول إذا كانت الجغرافيا لا تتغير, فمواقفا الوطنية لن تتغير أيضاً, وسيبقى الأردن يحظى باحترام العالم، ويبقى قلعة الصمود العربي.

أستاذ القانون الدولي العام