كتاب

كثر المتنبئون وإن صدقوا!

بدأت ظاهرة المتنبئين الجويين بالاتساع من بعض الهواة، ففي كل يوم يظهر لنا متنبئ جديد يسوق له إما من خلال التواصل الاجتماعي، أو من خلال بعض المشاهير والإعلاميين كما حدث مع من سبقهم من الهواة.

الأرصاد الجوية وعملية تقييم الطقس ليست هواية أو ميولاً تسلكه أو ترغب في انتهاجه، فهو علم قائم بحد ذاته لا يختزل في كمبيوترات ومكتب والدخول على مواقع الأقمار الصناعية أو نقل الحالة الجوية من دول مجاورة نعيش معها نفس المناخ الجوي، الراصد الجوي الحقيقي يقضي فترة تعليم ويخضع لدورات ويستخدم أجهزة مكلفة، وهذا ما هو عليه حال دائرة الأرصاد الجوية في المملكة والتي يوجد بها كفاءات على قدر عالٍ من التدريب والتأهيل، الأمر الذي يجب أن يقدر باعتمادها مصدرا للحالة الجوية..

أنا هنا لست ضد أي هواة على الإطلاق، بقدر ما احترام التخصص في أي عمل، فلا يعقل أن تكون رساماً وتقوم بدور المهندس، أو تعالج بالأعشاب والرقية وتعتبر نفسك طبيباً، أو مدوناً وتعتبر نفسك صحفياً أو إعلامياً أو تعمل بعض الأطعمة وتعتبر نفسك طاهياً وتتابع كرة القدم وتعتبر نفسك مدرباً أو لاعباً، فأي عمل لا يأتي بالهواية بقدر ما هو تعلم وتخصص وخبرة يرافقه التأهيل والتدريب والتعليم، وإلا سيكون باستطاعتنا جميعا أن نكون مهندسين وأطباء ومتنبئين جويين ولاعبي كرة قدم ومدربين ومؤهلين.

فلعل أحد أسباب معاناتنا في الإدارة العامة، كان اتباع مثل هذه السلوكيات، فلا أعلم كيف تكون مثلا وليس على سبيل الحصر وزير أوقاف وأنت لم تقرأ الشريعة ووزير مياه وأنت طبيب ووزير طاقة وأنت مهندس معماري، أو مهندس وتتسلم منصباً في وزارة العدل، فالاختصاص والخبرة والجمع ما بينها هو احد أسرار نجاح العمل والوظيفة، ولذلك تجد أي عمل يجمع صاحبه فيه الاختصاص والخبرة والعلم فيه احد أبرز سمات نجاحه، فيما وأينما تجد الفشل فابحث عنهما وستعلم النتيجة.

قريبا سيختلط الحابل بالنابل، وسنجد الهواة ينافسون أصحاب الاختصاص، وكيف لا وهم يعتمدون في علمهم ومعرفتهم على اليوتيوب وجوجل، فتجد لدينا 100 متنبئ جوي وألف محلل سياسي ومليون خبير طاقة وآلاف الاقتصاديين والمنظرين، فيتوه الرأي العام ما بين هذا وذاك ونقع في فخ من يعلم ويدعي العلم وهنا ستكون المصيبة.

ما أثارني حول هذا الموضوع، هو أننا أصبحنا نشجع على مثل هذه الظواهر ونعمقها في مجتمعنا، فتجد مذيعاً مشهوراً يروج عبر صفحته التي يتابعها الملايين لمتنبئ جديد هاوٍ كما حصل في متنبئ جوي سبقه عندما قام أحد المشاهير وقتها الترويج له عبر برامج ومواقع هنا وهناك، بالإضافة إلى أنني أرفض أن نتجاهل الاختصاص ونعتمد على الهواية كنوع من مواجهاتنا العامة التي تقود الرأي العام.