لم يفكر أحد منا كيف هي حالة الطفل المغربي «ريان»، وهو في البئر الموحشة لمدة خمسة أيام بدون أكل وشرب وأكسجين، وهي ظروف يعجز الكبار عن تحملها، وكيف كانت الدقائق والساعات والأيام تمر على جسد طفل طري؟ ولم يتساءل أحد: كيف ستنعكس هذه المحنة على صحته الجسدية والنفسية، وكيف سيعيش إذا كتبت له حياة؟ الكل كان يتسلح بالأمل والتفاؤل والدعاء وربما تمني «المعجزة».
لا تحتاج القصة إلى كتابة سيناريو لتحويلها الى فيلم سينمائي واقعي، ربما تتطلب إجراء عمليات فنية، فقد تابعها العالم بالتفصيل لحظة بلحظة على الهواء مباشرة، قصة هزت الضمير الانساني، وأشغلت الرأي العام العربي والدولي.
على أن السؤال الجوهري الذي طرح خلال هذه الايام العصيبة: لماذا هذا التضامن النادر وفيضان المشاعر الإنسانية، والدعوات أن يتم إنقاذ «ريان» ويعود إلى أهله سالماً، على مختلف المنابر وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، واهتمام وسائل الاعلام العربية والدولية، وتسابقها الاستثنائي لتغطية تفاصيل وتطورات حادثة ابن الخمس سنوات، قاده عبثه الطفولي الى السقوط في بئر ارتوازية ضيقة جدا يقل قطره عن 50 سينتمراً، في الوقت الذي يسقط يومياً أعداد كبيرة من الضحايا «اطفال ونساء ورجال من مختلف الأعمار» وترتكب مجازر في عديد الدول العربي? وبأسلحة عربية، وثمة عدد آخر يسقط بصمت في مخيمات اللجوء، وتنقل وسائل الاعلام أخبارهم بشكل روتيني كأرقام عابرة؟
وأكثر من ذلك يتعرض الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وفي قطاع غزة، لشتى أشكال القمع والتنكيل والتمييز العنصري، ويسقط منه يوميا ضحايا، فضلاً عن معاناة الأسرى في سجون الاحتلال، ومع ذلك لا تحظى هذه الجرائم باهتمام عربي ودولي!
التفسير بسيط، وهو أن التضامن الهائل مع قضية «ريان» جاء من الشعوب بشكل تلقائي، كونه طفل أولاً ولأن قضيتها إنسانية واستثنائية ثانياً، والأهم أن هذه القضية خارجة عن ألاعيب السياسيين وانقساماتهم، وبعيدة عن تناقض المصالح بين الدول وليست خاضعة للخلافات الايديولوجية، بدليل أن هناك الكثير من الجرائم والكوارث يسقط فيها ضحايا، بفعل القرارات السياسية ويتم تبريرها من قبل الحكومات المعنية ووسائل الاعلام التابعة لها، بينما تميزت طريقة تغطيتها لقضية ريان بالتركيز على الجانب الإنساني!
وكان مثيراً للانتباه وضاغطاً على فرق الإنقاذ، الحشود الجماهيرية التي جاءت من مختلف القرى والمدن المغربية إلى الموقع، إما للتضامن أو للمساعدة أو بتأثير الفضول والتقاط الصور والتغطية المباشرة لهذا الحدث النادر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكانوا يعيقون أحياناً عمل فرق الإنقاذ ويصفقون ويهتفون، وكأنهم يشجعون فريق كرة قدم!.
والنقطة الجوهرية التي تستحق الإشارة إليها، هي الجهود الجبارة التي قامت بها فرق الإنقاذ في النهار والليل، وسط ظروف طبغرافية وجوية صعبة ومعقدة، فقد كانوا أبطالاً حقيقيين عملوا بإخلاص، ليس لأنهم موظفون فقط، بل كانت تحركهم أيضا مشاعرهم الإنسانية. رحم الله «ريان» والعزاء لعائلته أولاً وللإنسانية ثانياً.