في زمن مضى كانت أسماء الناجحين في امتحان التوجيهي، تنشر بالصحف اليومية وتذاع بالراديو، وكانت مبيعات الصحف تقفز يوم نشر النتائج، وبعضها كان يصدر طبعة ثانية لتلبية الطلب المتزايد عليها، وكنت أحد المحظوظين ممن قدموا امتحان «التوجيهي» في ذلك الزمن، وكانت فرحتي أكثر عند ذكر اسمي بالإذاعة بين الناجحين، على وقع أغنية الراحل عبد الحليم حافظ «الناجح يرفع إيده"!
وفي ذلك الوقت كان بث الاذاعة يتوقف كما أظن عند منتصف الليل، وكان البث يقتصر على نشرات الأخبار وبعض البرامج، مثل المسلسل الدرامي الشهير «مضافة أبو محمود»، وكان من إعداد المرحومين مازن القبج واسحق المشيني، واشترك في تمثيله سامي حداد وغالب الحديدي وسهام لطفي، وعبده موسى، ونظمية الربضي، ونبيل المشيني، وكان من بين أشهر البرامج الإذاعية في حينه البرنامج الزراعي الذي حظي بشعبية واسعة لدى المزارعين وغيرهم (الأرض الطيبة) الذي كان يقدمه لمدة تقارب 40 عاماً الإعلامي مازن القبج الذي اشتهر بلقب «الحاج مازن القبج».
كانت إذاعة أسماء الناجحين في التوجيهي مناسبة مهمة للإذاعة، لزيادة عدد المستمعين من الناجحين وعائلاتهم وأقربائهم.
وأذكر أن الإذاعة كررت بث أسماء الناجحين ثلاث مرات، وكنت محظوظا أكثر أنني قدمت امتحان التوجيهي مرتين، حيث نجحت في المرة الأولى، ثم أعدته مرة ثانية لرفع معدلي وبعد جهد جهيد زاد المعدل نصف علامة، لكن في ذلك الزمن كان للعلامة قيمة، ولم يكن أحد يصل معدله الى 100%، أو فوق الـ95 كما يحدث في الزمن الحالي!
في ذلك الوقت لم تكن الصحف الورقية تصل الى منطقة الأغوار، فسافرت من ديرعلا بالغور الاوسط الى عمان بغرض شراء جريدة والاستمتاع بقراءة اسمي فيها والاحتفاظ بها كـ «وثيقة»، وشاهدت في وسط البلد باعة الصحف ينادون على المارة، والمانشيت العريض كان نتائج التوجيهي، ولم يكن يخطر في بالي أنني سأدرس الصحافة فيما بعد وأمتهنها، وأعمل في العديد من الصحف وأكتب فيها..
بين ذلك الزمن ووقتنا الحالي جرت مياه غزيرة تحت الجسور، وحدثت متغيرات هائلة في حقل الاعلام والصحافة، الآن حيث يزدحم الفضاء الآن بالقنوات التلفزيونية وضجيجها لا يتوقف على مدار الساعة، ووسائل التواصل الاجتماعي تشغل غالبية الناس، كما انتشرت المواقع الإلكترونية الاخبارية، وكل هذه الوسائل أكلت من حصة الصحف الورقية التي تواجه ظروفا عصيبة، بعد أن تراجع عدد القراء وحجم الاعلانات التجارية، وهي المصدر الأساس لتمويل الصحف الورقية، وأصبحت بعض الصحف ترسل نسخاً الكترونية مجانية عبر منصة الواتساب بهدف تعويض ما فقدته من مساحة انتشارها، وكذلك يفعل الكثير من كتابها، كما يعيدون نشر مقالاتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة «الفيسبوك».. وهذا تحدٍ يتطلب جهوداً مضاعفة وتطوير آليات العمل لمواصلة الطريق.