بعد انتهاء الجزء الأول أو الفصل الأول من «التعديلات» التي تصب في مفهوم التطور الموضوعي، وينسجم انسجاماً كلياً مع تطور الوعي الجمعي ومحاولات الفك والتركيب السياسي على الصعيد الإقليمي والصعيد المحلي، وتحضيراً لاستكمال القوانين المساندة للإصلاح السياسي بكليته فما زلنا نسمع هنا وهناك تلك الأبواق التي تترصد في الخلفية مشككة بكل إنجاز يصب في مصلحة الوطن، ويصب في تفسيخ توسيع دائرة المشاركة السياسية والمشاركة الشعبية ببعديها اليومي والسياسي الاستراتيجي، من خلال ربط الإصلاح السياسي بالتحولات الإقليمية والسياسية في المنطقة، على قاعدة نظرية المؤامرة الدولية وربط تلك المؤامرة مع الواقع المحلي.
هذه القراءة كما يتبناها البعض، تبعث على الضحك عندما يُروج لها هنا وهناك، ذلك أن ما هو معروف للجميع أن الإصلاح السياسي ارتكز بكل تجلياته ومنطلقاته من خلال خريطة طريق تجسدت بإطار نقاشي من خلال الأوراق النقاشية لجلالة الملك، وخاصة عندما أخذ بعين الاعتبار التدرج في استهداف الوعي الجمعي الأردني، من أجل رفع مستوى استعداده في مسيرة الإصلاح دون علاج صدامي أفرز تفتتا وتشتتا في البناء السياسي لكثير من الدول العربية في المنطقة والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.
إذن كيف يمكن أن نفهم أن المؤامرة السياسية الجديدة قد وجدت، وأن الاردن سيكون جزءاً منها؟ والرد على ذلك جاء بمشروع الإصلاح السياسي، فمسيرة الإصلاح تراكمت وتكاملت بشكل متدرج ولكنها افتقرت إلى مرتكزات تشريعية إسنادية وهو ما تجلى في التعديلات الدستورية.
من هنا نقول إن هندسة المستقبل كما يطرحها البعض هي تشخيص قائم على الجمود الفكري والهروب من استحقاقات تطور الوعي الجمعي الأردني، والحتمية التاريخية التي لا تقبل المراوحة المكانية خوفاً من التغير أو التحول أو التطوير الممنهج، فالوعي لا يمكن أن يخضع لهندسة بأبعاده الاستراتيجية، فالوعي الجمعي الأردني بكل أطيافه لا يمكن أن يبقى ضمن إطار الجمود العقائدي الذي عشعش في عقول قوى الشد العكسي، فترى هنا وهناك «أصوات نشاز» وتحت عناوين وهمية الاستفتاء على التعديلات، وكما ترى لأن نسبة التمثيل في هذا المجلس متدنية حتى لو سلمنا بذلك فإنني على قناعة مطلقة أن هذه القوى لن تقبل بأي نتائج.. وذلك في محاولة للقفز على الانجازات والمكتسبات التي حققها المجلس النيابي قاصدين تغييبا لدوره كممثل للشعب الاردني.
الاساس في التقييم ليس بحجم المشاركين بالحراك الانتخابي، وإنما في المواطنة الفاعلة للمشاركين في العملية الانتخابية، فمن لا يريد أن يستعمل حقه في المشاركة يسمح له بالنقد ولكن لا يسمح له بالتجاوز عن واجب قد أفرزه التمثيل الشعبي الشرعي والطبيعي.
إن الأردن وعلى مسار تاريخه السياسي، وفي كل مراحل تطوره المشهود لها على مستوى العالم كان يتعرض بشكل منظم وممنهج إلى تشويه لكل قراراته انطلاقاً من أن نظرية المؤامرة حاضرة وهي المحرك الحقيقي لعقول تلك الصالونات والنخب التي لا ترى بنفسها قدرة على استيعاب المتحركات الطبيعية والموضوعية لدى الشعوب التي أفرزت في كثير من الأحيان نخباً جديدة قادرة على استيعاب التحول ومد العون والإسناد لتعميق التحول الديمقراطي الذي يرعب كل من ينادي بأولوية المرجعيات الثانوية على الوطن بكليته.
إن تلك الدعوات التي تنطلق من إطار مواز للمجالس الشرعية تحت يافطة بيضاء تسمى الاستفتاء، هي بالأساس تدعو إلى انتزاع المكتسبات السياسية والشعبية المتراكمة، من خلال نضال الشعب الأردني على مسار تاريخه، والتي التقطها نظامنا السياسي الأردني وجعلها هدفاً استراتيجياً منتجاً.. فالتحول الديمقراطي الحقيقي سيفرز عاجلاً ام اجلاً نموذجا ديمقراطياً دينامياً قادراً على استيعاب واحتواء وقيادة المرحلة القادمة، بقيادة واقتدار مستمده من صلابة موقف جلالة الملك والقيادة الهاشمية في استكمال مهام التحول الديمقراطي دون أي خطوة إلى الخلف، وهو ما جعل أبواق المراوحة المكانية تتكلم بصوت خافت وفي العتمة، لأنها تعلم تماماً أن الكل الشعبي الاردني، والكل الوطني يسير دون أي تردد خلف جلالة الملك قائد مسيرة الإصلاح، وصانع منطلقاتها النظرية والفلسفية والفكرية في أوراقه النقاشية.