يصعب تشكيل صورة واضحة عن واقع المواصلات العامة، دون أن تخوض التجربة بنفسك لتكتشف عالماً مختلفاً، اضطررت لركوب باصات النقل المتوسطة «الكوسترات» لظرف طارئ، حيث تعطلت سيارتي خلال فترة عزاء والدتي رحمها الله، وكان لا بد من ترك السيارة في عهدة الميكانيكي لمدة عدة ساعات، فكانت «تجربة مرة » ومسلية في نفس الوقت!
من حيث المبدأ أنا مقتنع بضرورة وسائط النقل العام مثل أي خدمة أساسية، ولو توافرت هذه الوسائط بصورة محترمة لما استخدمت سيارة خاصة، فهي تريح المرء من مسؤولية قيادة المركبة الخاصة، وما يرافق ذلك من توتر وازدحام، وانتشار عدد كبير من الحمقى وعديمي الذوق، يتزاحمون في الشوارع وعلى الإشارات الضوئية بما يشبه معركة حقيقية!
ركبت «الكوستر» على مرحلتين.. البداية من شارع ياجوز باتجاه صويلح، ثم من صويلح إلى دير علا، الملاحظة الأولى تشكل هذه الحافلات بيئة خصبة لانتشار فيروس كورونا، وكأن ركاب الكوسترات وأصحابها ومن يقودونها لا علم لهم بوجود الجائحة، التي تزلزل العالم منذ أكثر من عامين!
فالمقاعد ممتلئة بالإضافة إلى عدد آخر من الركاب يقفون في الممر بين المقاعد، ومع ذلك يصر السائقون ومساعدوهم «الكونترولية» على البحث عن مزيد من الركاب، ولو وضع شخص يقف على جانب الطريق يده على رأسه يسارع السائق لتحميله، وتخيلت أن السائقين ومساعديهم مستعدون حتى للوقوف لتحميل خرفان لو أتيح لهم ذلك!
الالتزام بارتداء الكمامات محدود والجلوس متلاصق، وكان حظي سيئاً حيث لم أجد مكاناً إلا في المقعد الخلفي، المخصص لجلوس أربعة ركاب فانحشرت في الوسط، كنت أرتدي كمامة وألبس «شماغ» ألفه على وجههي بما يعادل ثلاث كمامات إضافية!
أما الجانب الكوميدي في الرحلة، فيتعلق باستخدام «الجيران» في المقاعد لهواتفهم الخلوية وراقبت ذلك بشغف من قبيل التسلية لمعرفة اهتماماتهم، كان على يساري شاب يشاهد باستمتاع لافت فيديو مصارعة ويتفاعل مع أبطال الحلبة، وذكرني بفترة مضت عندما كان التلفزيون الأردني يبث حلقة أسبوعية من برنامج المصارعة، وكان ذلك البرنامج متابعاً بنسبة عالية وينتظره الكثيرون، ممن يمتلكون أجهزة تلفزيون في تلك المرحلة! أما الشاب الذي على يميني فكان يتابع فيديو شخص يركب على حمار ثم يسقط عنه ويعاود الركوب فيسقط مجدداً! وفي المقعد الذي أمامي كانت تجلس فتاتان يبدو أنهما طالبتان في الجامعة، إحداهما كانت مشغولة بمتابعة «الفيسبوك».
وفي منتصف الطريق صعد راكب إضافي، كان يضع على أذنيه سماعات بحجم كبير، مثل تلك التي يضعها المذيعون في المحطات الإذاعية، وكان مستغرقاً بأجواء خاصة به ربما يستمع إلى موسيقى أو أغانٍ تروق له. أما السائق فكان يشغل مسجل الباص على ذوقه، في بلاد أخرى تجد غالبية ركاب وسائط النقل العام يقرأون في كتب خلال الرحلة، أما رحلتي فكانت شاقة فعلاً وتنفست الصعداء عندما وصلت!