توفيت والدتي رحمها الله نتيجة لإصابتها بكورونا، كانت ترفض الاعتراف بوجود الفيروس وتعتقد مثل الكثيرين بـ«نظرية المؤامرة»! ورفضت تلقي المطعوم رغم محاولاتنا المتكررة، وخلال الأسابيع الأخيرة عانت من شراسة هجوم الفيروس، ونقول تسليما بقضاء الله إن عمرها انتهى، لكن في تجربة مرضها دروس وملاحظات.
أجري لها فحص كورونا في البدايات وكانت النتيجة سلبية، لكنني عندما زرتها في منزلها قبل عشرة أيام لاحظت أنها تعاني من سعال غريب، وكان أشقائي يتنقلون بها من مستشفى في معدي، الى بعض الأطباء في منطقة الغور، ووصفوا لها أدوية دون أن يلاحظ أحد منهم أنها مصابة بالكورونا، فكانت أقرب الى حقل تجارب! ثم نقلناها الى طبيب صدرية خاص في عمان وأجرى لها فحوصات، واطلع على الأدوية التي صرفت لها وأكد أنها تضر ولا تنفع وطلب وقفها فورا وصرف لها أدوية جديدة، ونصح بإدخالها المستشفى لكنها رفضت، واختصرت موقفها بإشارة بيدها وبكلمتين «ح?ي فاضي»! وانتقلت عدوى الفيروس من والدتي إلى ثمانية من أفراد العائلة ممن كانوا قريبين منها بضمنهم اثنان تلقيا المطعوم.
وفي ليلة الخميس على الجمعة 16 كانون الثاني، ساءت حالتها ونقلت الى المستشفى «المتهالك»، وأجري لها فحص كورونا مرة أخرى وكانت النتيجة ايجابية، وبقيت عدة ساعات دون توفر وسائل العلاج اللازمة لمثل هذه الحالات، وفي الصباح تم نقلها الى غرفة بجوار سيدة أخرى تعاني من الكورونا، وحاولت شخصيا على مدى عشرين ساعة، نقلها الى أحد المستشفيات المخصصة لمرضى كورونا، واتصلت بالخط الساخن لوزارة الصحة وسجلت ثلاث شكاوى مستعجلة.
كان الموظفون الذين يجيبون يبلغوني أنه لا يوجد أسرة فارغة للعناية الحثيثة، رغم كل ما نسمعه من وزير الصحة والمسؤولين عن ملف كورونا من تصريحات عبر الشاشات، تؤكد أن «الوضع تحت السيطرة» وأن نسبة الإشغال في مستشفيات كورونا قليلة، لكنني لم اقتنع بعدم وجود أسرة فارغة وتواصلت مع بعض الاصدقاء، وتم خلال ساعة تدبير سرير في مستشفى الجاردنز، حتى في هذه الحالات يوجد «واسطات"! وأتحدث عن حالة عايشتها عن قرب والشهود أحياء!
ومما يدمي القلب أنني عندما كنت أزورها في غرفة العناية المركزة، تنتابني مشاعر متضاربة بين الرغبة بلمس يدها وتقبيل جبينها وحضنها، وبين الإحساس بأنني كمن يدخل حقل ألغام أو مقبل على عملية انتحارية، حيث هذا الفيروس لا يرحم، وفي نفس الغرفة كان ستة مرضى يعانون من الفيروس، وعندما كنت أراقبها عن بعد ثلاثة أمتار، وهي محاطة بأسلاك جهاز التنفس الاصطناعي، كنت أستعيد شريطاً طويلاً من الذكريات، وكيف كانت تصل الليل بالنهار لتدبير شؤون الأسرة، مثل الكثيرات من الأمهات المكافحات في مجتمعنا..
ومن بين الملاحظات المهمة التي سجلتها، أن حالة الاستهتار لا تزال تسيطر على سلوكيات الكثيرين، وأن وسائط النقل العامة والمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والأسواق هي بؤر ساخنة لنقل الفيروس.
نصيحة.. لا تستهينوا بالفيروس فهو لا يميز بين البشر.