في ظل ما تشهده المنطقة من أزمات تحت عنوان أزمات سياسية، التي تطل برأسها من يوم إلى آخر من خلال انتهازية المحاصصة بكل أشكالها، وهو ما نلمسه بشكل واضح وصريح من تعثر في أداء الحكومة اللبنانية وأزمة الانتخابات العراقية وانهيار التوافق في السودان وتأجيل الانتخابات الليبية وضبابية الواقع الرسمي التونسي، كل ذلك يأتي تحت غطاء الأزمة السياسية.
لكن الواقع الحقيقي أن هذه الأزمات بعيدة كل البعد في جوهرها ومطالبها عن الصراع البرامجي السياسي. إنه صراع حول المحاصصة الطائفية والعرقية والمناطقية وهلم جرا..
لذلك، فإن أي توافق بضغط دولي، كما هو في لبنان، وبضغط داخلي كما تشهده الساحة السودانية، كل ذلك ينهار بلحظة عندما يطرح مشروع المحاصصة والمكتسبات لكل طرف من أطراف الصراع وهذه المحاصصة تأتي للاستحواذ على الكم الأكبر من المكتسبات وهو المؤشر الحقيقي على غياب الوئام المجتمعي وهو أحد أمراض الهويات الفرعية حزبية كانت أو جهوية أو طائفية أو عرقية أو مناطقية..
من هنا نحمد الله عز وجل على أن الوعي الجمعي الأردني قائم على ركيزة من ركائز رسالة الهاشميين، التي رسخت في وعينا الوئام المجتمعي وجعلته المحرك الحقيقي والضامن الموضوعي لتطور مسؤوليتنا المجتمعية التي أضحت جزءا من وجداننا وهويتنا.
فمن خلال التهنئة التي قام بها جلالة الملك للمسيحيين في الأردن وفلسطين، وفي العالم كله وتدشين تلك التهنئة بالإنعام عليهم بدرع المئوية الأردنية، لهو ملمح ثانوي لما يكنّ لهم ولكل الأديان من محبة واحترام.
فجلالة الملك يبعث برسالة مشفرة لمن لا يرى شيئا سوى من زاويته الضيقة ومن نفقه المظلم، ولكنها واضحة كل الوضوح إذا ما فهمت بأنها رسالة قوية لما وصل إليه الإقليم من التجزئة وتعظيم المحاصصات والهويات الفرعية التي تجاوزت بكل مفاعيلها محورية الوطن وهو ما انعكس انعكاسا مباشرا بمحدداته من أعلى إلى أدنى لصالح التوظيف والمحاصصات التي تعتمدها النخبة في قراءة المشهد أي من زاوية المنفعة الطارئة والضيقة على حساب الكل الوطني..
إذن، فإن مشهد الوئام والتضامن والتكافل والدفاع بشراسة عن التعددية الروحية تنطلق من سمة الوجود وجوهره والقائمة على تعدد الخلائق ووحدانية الخالق، والله جعل هذه التعددية بتوازنها وربطها بالتقوى.
إذن؛ لن ترهن التعددية بالانتماء الفردي أنها تعدد في كل شيء، وهنا يبرز السلوك الإنساني الذي يتواصل مع كل شعوب الأرض من خلال منظور أنسنة السلوك السياسي.
ولهذا أيضا أطلق جلالة الملك أسبوع الوئام بين الشعوب والأديان الذي اعتمدته هيئة الأمم المتحدة كأسبوع للتوفيق بين المتناقضات المجتمعية، ليس بمنطقتها، فقط وإنما في العالم كله، وهذا هو بالضبط ما جعل الأردن بعيدا عن التناحر والمحاصصة التي تعصف في المنطقة كلها.
فشكرا لك شعبنا الأردني العظيم، وكل عام والأخوة المسيحيون في الأردن وفلسطين وكل العالم بألف خير.. شكرا لك جلالة الملك على تجسيد وعي الوئام الروحي في وجداننا.. وكان جلالته قاطرة السلوك الإنساني في غياهب السياسة عندما دعا إلى أنسنة السلوك السياسي في ظل جائحة كورونا، التي أثبت التاريخ أن الكل البشري مسؤول عن الكوارث ذات الطابع الإنساني عندما دعا أيضا إلى شمولية وتوازن توزيع اللقاحات، ولكن لا حياة لمن تنادي..