انتهت المفاوضات مع إيران قبل أيام من دون تحقيق نتائج إيجابية بعد محاولات لإحياء الاتفاق المبرم في 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي منح طهران الكثير من المكاسب منها رفع العديد من العقوبات المفروضة عليها مقابل الحد من أنشطتها النووية.
لا يبدو أن الولايات المتحدة جادة في التعامل مع الملف النووي الإيراني عسكريا في الوقت الحالي لأن التضخم الحالي وارتفاع أسعار النفط عالميا مع توقع وصولها إلى ٢٠٠ دولار للبرميل في حال نشوب حرب في الخليج العربي يقفان حائلا دون اتخاذ القرار بهجوم عسكري بل الاكتفاء بالمفاوضات والهجمات السيبرانية على المنشآت الحيوية الإيرانية لتعطيلها وشل حركة الحياة فيها ما يدفع الشعب الإيراني للثورة على النظام الحالي والإطاحة به وبذلك يتحقق الهدف الاستراتيجي الأميركي من إضعاف إيران وتغيير آلية الحكم.
الولايات المتحدة في الحقبة الرئاسية الحالية لا تريد إذكاء الصراعات والنزاعات المسلحة لأنها تريد وبكل بساطة استخدام إيران والمفاوضات معها كورقة ضغط على حلفاء إيران وعلى أعدائها بنفس الوقت، وبذلك تحقق واشنطن المكاسب من كلا الطرفين. إذا كان هناك من تغيير في الاتفاق فلن يكون سوى تغيير في بعض الفقرات هنا أو هناك.
وفي نفس الوقت لا تستطيع إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية دون رد على تلك الهجمات كما أن الضربات الإسرائيلية لا يمكنها أن تدمر المنشآت النووية إلا بعد عدة أيام أو أسابيع من الضربات المتتالية وهذا ما لا يمكن حدوثه لأن الضربة الأولى على تلك المنشآت تعني فتح الحروب بالوكالة أولاً مع إسرائيل ودخول الأصيل لاحقا. وهذا ما ترفضه واشنطن لأنها ترى أن ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت إلى ٧٪ اليوم في الولايات المتحدة، وهي الأعلى منذ ثلاثة عقود، تعني أن اندلاع حرب في الشرق الأوسط سيرفع أسعار الوقود عالميا ما يفاقم حدة?التضخم على المواطن الأميركي ودافعي الضرائب. فلا ننسى أن كلف الحروب الأميركية التي شنتها منذ العام ٢٠٠٠ وصلت إلى ٦ تريليونات دولار ومقتل أكثر من ٧٥٠٠ جندي أميركي.
إن سياسة حافة الهاوية هذه ستدفع بكل الأطراف إلى الجلوس مجددا إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى صيغة مقبولة لدى واشنطن وطهران في ظل ترقب إسرائيلي من الخطر الإيراني المحدق.
يعلم الجانبان الأميركي والإيراني أن القادم من الأيام سيحمل جولات صعبة وعراقيل قد تقود في نهاية المطاف إلى التوصل إلى صيغة وسط ترضي الطرفين لكن جنون الحرب وخياراتها مطروحة على الطاولة مع تخوف الولايات المتحدة أكثر من إسرائيل من نشوبها لأن إيران لها اليد الطولى في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية واليمن وعدة دول شرق أوسطية.
في العام ٢٠٠٢، الولايات المتحدة رفضت شن هجوم عسكري على إيران، رغم علمها أن طهران طورت برنامجها النووي، لأن واشنطن كانت مشغولة بالعراق ولا يمكنها فتح جبهتين. لذلك فمن المستبعد أن تشن واشنطن حربا ضد إيران ما لم يفتعل طرف ثالث حادثة ما تقود الى اشتباك بين القوات الأميركية والإيرانية، وستكون الخسائر حينها مدمرة لأكثر من طرف يدفع ثمنها مستوردو النفط العالمي وهذا ما يفسر إصرار أوروبا على التفاوض بدل العسكرة لأنها لا تحتمل معضلتي الغاز والنفط معا.