.... منذ فترة وأنا أقرأ ما يكتب عن فيلم (اميرة)....
وأنا اتفق مع الناس ومشاعرهم، ففي القضية الفلسطينية لايوجد حياد أبدا، ولا يوجد ما يستدعي تبرير الخطيئة، أو البحث عن أعذار...
ولكني أجد نفسي متعاطفا مع فنانة أردنية، شقت طريقها في الصخر، وقد أخطأت في قبول الدور الذي قامت بتأديته في هذا الفيلم، ولكن أن نعاقبها بهذه الطريقة القاسية فالأمر فيه بعض الألم...
صبا مبارك فنانة أردنية، أمضينا طفولتنا سوية في (ابو نصير)، كانت والدتها...السيدة الراحلة (حنان الاغا) تمضي وقتها في الرسم، ومنزلنا كان يبعد عن منزلهم مسافة قصيرة لا تتعدى خطوات قليلة، أتذكر سويعات العصر حين تأتي وحين تضع (أم صبا) فيروز في فناء المنزل، وتجلس على كرسيها وتبدأ بالرسم...كنا نراقبها، ونراقب طريقة مزجها للألوان...ونراقب ابتساماتها لنا...وحبها للحياة والناس.
كانت (صبا) هي البنت الأجمل في حارتنا، والأكثر جرأة...التي لم تتردد يوما بقذفنا في كرات الثلج، والتي لم تتأخر عن مدرستها..وأجمل من ارتدت المريول الأخضر، وقد أحبها الجميع...ونحن كنا نحرسها من العيون حين تذهب للمدرسة فهي (بنت حارتنا)...التي استولت على القلوب وعلى دلال الجميع...وهي البنت التي لم تغادر ابتسامتها وجهها، بالرغم من مرض الوالدة..وبالرغم من صعوبة الحياة ووجعها..
كنا نعرف أنها ليست بالبنت العادية أبدا، فقد كان الفن شغفها...وكانت تغادر بعد المدرسة للمركز الثقافي الملكي، وحين نسألها تخبرنا بأنها تريد تأدية دور في مسرحية...وأنا لم أكن أفهم هذا الشغف، كنت أظن أن الفن مجرد هواية..فقط وأن مستقبل (صبا) سيكون إما طبيبة أو مهندسة... لا أكذب إن قلت لكم أنها كانت أجرأ الفتية وأجمل البنات، هذا أدق وصف يقال في (صبا مبارك)..كنا جميعا نخشاها ونحترمها...
قبل أعوام تقابلنا حين كنت مديرا لمركز الحسين الثقافي فقد جاءت للتصوير، وترحمنا على أهلنا الذين ماتوا.. وتذكرنا من بقي من الجارات اللواتي أحببن (صبا) ومن غادر..وماذا حل بالناس في حارتنا القديمة، تذكرنا الأيام كلها...وطفولتنا التي عشناها..على سفح المحبة وألق الحياة..
أنا ضد من يرجم صبا بهذه الطريقة، ربما خذلها السيناريو، وربما أعتقدت أنها تؤدي دورا لن يجلب لها كل هذا الصخب، وربما خذلها المنتج.. أو أن المخرج أقنعها بقوة الدور...في النهاية الفنان في ظل كورونا وتعثر الحياة وتوقف الإنتاج...كل ما يفكر به هو العودة للشاشة وممارسة عمله، أنا لا أقصد أن أبرر لصبا مبارك رداءة الفيلم أو مضامينه المسيئة للقضية وللأسرى، ولكن لدي إيمان مطلق..أن هذه السيدة الأردنية المبدعة...لم تكن تقصد الإساءة لفلسطين أو لقضية الأسرى...ففي طفولتي كنت أشاهد علم فلسطين يطرز أغلب لوحات والدتها...كنت أشاهد الحطة الفلسطينية في منزلهم..وأشاهد خارطة فلسطين على الجدار وفي سقف الغرفة..وعلى ثوب الوالدة المرحومة (حنان الاغا)...
صبا مبارك...ما زالت في مخيلتي هي بنت حارتنا، التي كنا نرافقها إلى المدرسة خوفا عليها من العيون..,كنا نعتبرها أكثر الفتية جرأة وأحلى البنات..أنا مع صبا، وضد كل هذا النهش غير المبرر.