عندما طرح جلالة الملك الأوراق النقاشية السبع وأطلق عليها الأوراق النقاشية كان يستهدف من خلال هذا الطرح وهذه التسمية جعل هذه الأوراق ليس ترفا نظريا ايدلوجيا جامدا انما استهدف بعث رسالة واضحة ان مضامين هذه الأوراق تتطلب نقاشا مستفيضا من قبل الكل الوطني وهذا يعني ان النقاش يستوجب دائما وابدا طرفا اخر او اطرافا ولذلك يعتبر نقاشيا وحواريا والسبب في ذلك ان جلالة الملك على قدرة هائلة في تشخيص الواقع الموضوعي لتطور الوعي الجمعي الأردني الذي لا يحبذ ان تفرض عليه فرضا برامج قصرية فوقية نخبوية لتنفيذها وفي سياق عملية الإصلاح الشامل كان هناك حوار مجتمعي هائل كان لا يحظى باهتمام اعلامي يرتقي الى مستوى ذلك الحوار وهو ما استوجب انطلاقا من قراءة تشخيصية حقيقية للواقع الذاتي والموضوعي المتمركز حول تطور مفهوم الاستعداد المجتمعي اتجاه اشباع الأوراق النقاشية لجلالة الملك في الحوار والتشخيص والرد من هنا وحتى مأسسة ومنهجة الردود حتى لا تبقى تجليات الحوار المجتمعي لتلك الأوراق حبيسة الادراج..
من هنا جاءت الإرادة الملكية بالتحديث السياسي بتشكيل اللجنة الملكية لاستكمال مهام التحول الديمقراطي دون أن ينوه جلالة الملك لا من قريب ولا من بعيد بأن مخرجات ذلك الحوار يجب أن تتضمن بمكنوناتها ومضمونها وانعكاساتها في المخرجات النهائية والاليات التطبيقية ردا على الأوراق النقاشية لان الرؤية الملكية لجلالة الملك ولمضامين توجيهاته وبحكم هيبته وحكمته ستركز تلك اللجان حول الارواق النقاشية بزاويتها النقاشية وبذلك تجعلها مركزية في مخرجات الحوار وتعتبر بمعايير الوعي الاجتماعي تقزيما لجوهر ومضمون الحوار الوطني الشامل دون أي توجيهات محددة تخرج هذه اللجنة الملكية من مرتكز فكري يعتمده جلالة الملك في كل حوار وهو توسيع دائرة المشاركة في صناعة القرار مرتكزا على نتائج وتجليات ذلك العصف الذهني وليس محددا جبريا يستبق هذا العرس الوطني للوصول الى توافق بحرية مطلقة يعبر ولو بنسبة الأغلبية في التوافق على المرحلة الاستثنائية القادمة دون تدخل من أي طرف من اطراف الدولة الأردنية ومؤسساتها.
من هذا الجانب بدأ عمل اللجنة ومنهجة عمل لجانها انطلاقا من رؤيتها الذاتية لمفاصل التحديث السياسي والذي يشمل بعنوانه العريض كل آليات الإصلاح الشامل ومحاوره فعند النظر الى مخرجات اللجنة يتلمس أي مراقب ومهتم بتطور البنية المجتمعية الأردنية ان المحاور التي عالجتها هذه اللجنة اذا ما قورنت بمضامين الارواق النقاشية السبع ترى توافقا حقيقيا في استهداف ومعالجة القضايا التي تطرقت لها الأوراق النقاشية على مدار عقدين ولذلك فان الطرف الاخر في موضوع النقاش رد من خلال ورقة نقاشية ثامنة وجعلناها ثامنة لان أطراف الحوار طرحوا مخرجاتهم ضمن منظومة نظرية أنجزت مخرجات اللجنة الملكية وأضافت عليها بنضج ودون تماهٍ او استهداف للرد على الأوراق النقاشية جعلت رد اللجنة قائم على مرتكزات نظرية ممزوجة ومرهونة بآليات تطبيقها الى أدوات محددة.
واعني هنا ان نتائج العصف الذهني بين مكونات اللجنة رفضت مفهوم التشخيص الكلي لمشروع الإصلاح السياسي الشامل انما انطلقت الى آليات تنفيذية وطرحت مشاريع قوانين كرسائل وآليات تنقيذ تجلت بتركيز هائل من الرأي العام الأردني وتوافق يصل الى مستوى الاجماع انه آلاوان للخروج من النظرية الى التطبيق.
ومن هنا فهي من وجهة نظري ارتقت الى مستوى تسميتها بالورقة النقاشية الثامنة.
هنا اود ان انوه الى ان هذه الورقة اذا جاز التعبير كان لا يمكن ان تأخذ هذا الطابع الجدلي والاهتمام لو انها تشكلت من عدد محدود من الأعضاء لكانت قدمت الحوار وجعلته حوارا للنخبة المنسلخة عن الهموم المعاشية واليومية للشعب الأردني واحتياجاته وشغفه للتحول السياسي.
لذلك لا ينطبق مفهوم الازدحام يعيق الحركة الذي تبناه عدد كبير عن قصد او غير قصد في تقييمه لتلك اللجنة منذ انطلاقتها من حيث الضخامة والعدد لان هذه المقوله تطلق على متزاحمين متعددين في الشكل ومتطابقين في الفكر وآليات العمل هذا الازدحام لا يمكن ان ينتج عصفا ذهنيا انما يفرز ممرا اجباريا واحدا لكل المتزاحمين انما المقولة التي تنطبق بصدق على ضخامة اللجنة هي (ان التراكم الكمي) يخرج تحولا كيفيا لذلك ضمت اللجنة عددا هائلا وتناقضات بين القوى المكونة من نخبة النخبة الى اصغر مكونات المجتمع المدني حتى تخرج بصيغة توافقية وبحرية كاملة ضمن اطار ممرات فضفاضة تحتوي الكل لتخرج كيفا توافقيا شفافا خارج اطار (الحوار من اجل الحوار) التي تخوضه قوى الشد العكسي.
اذن نحن امام توافق وتطابق غير ممنهج او مخطط له مسبقا انما اخرج تماهيا وتوافقا كرد على الأوراق النقاشية السبع بورقة نقاشية ثامنة من طرف النقاش الآخر وهو وبكل صدق ودون أي مواربة لم يكن يعلم ان النتائج الحقيقية لمخرجات الحوار ستكون متطابقة وردا شعبيا توافقيا ووطنيا شاملا على المرتكزات النظرية والفكرية والفلسفية والتطبيقية التي تضمنتها تلك الأوراق الخالدة لأنها ومن خلال رد الطرف الآخر في النقاش ستصنع (حتمية تاريخية) وانتقالا استثنائيا ومتدرجا لنموذج إصلاحي ديمقراطي بسمات اردنية الطابع اردنية الشكل اردنية المضمون واردنية في السواعد التي ستكون محركات جبارة للذهاب خطوات الى الامام دون أي خطوة الى الخلف واعني هنا محركاتنا الشبابية والقادرة على مواجهة كل التحديات داخلية كانت ام خارجية.
ان السبب الحقيقي وراء هذا الطرح لان هذه المقالة تعتبر الجزء الثاني من مقالة استكمال مهام التحول الديمقراطي واستوجب التنويه لها لأنها تخدم التحليل السردي لمسيرة الإصلاح السياسي ولذلك فهي تعتبر الجزء الثاني من مسيرة استكمال مهام التحول.
