لا يجادل اثنان في أهمية الرأي والرأي الآخر؛ وأنا عادة أقول: الآراء الأخرى، من باب أن التعددية، لا الثنائية، هي السمة الأغلب والأسمى في المجتمعات.
وبناءً على ذلك، فإن أي رأي أو أي موقف قابل للنقد والاعتراض والرفض؛ فلا أحد، على المستوى الشخصي في مجتمعنا أو على مستوى المنخرطين في العمل العام، معصوم عن الخطأ.
يضاف إلى ذلك أن الآراء والمواقف تبقى خاضعة للنقاش والأخذ والعطاء، فهي لا ترقى للحقائق الثابتة. لا بل إن الكثير من الحقائق العلمية قد عُدّلت أو أعيد النظر فيها أو دُحضت بالكامل.
من هنا نقول، إن دور المعارضة في المجتمع – سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وتربوياً، إلخ – هو دور أساسي ومكمّل، فكلما تعددت الزوايا التي ننظر منها إلى أمر ما وكلما اختلفت الآراء والمواقف، كلّما اقتربنا من الحقيقة.
بالمقابل، أحادية التفكير والهيمنة المطلقة لرأي فرد أو مجموعة ما، قصراً أو تحصيل حاصل، يشكلان حالة غير صحية في الغالب الأعم ضررها أكبر بكثير من نفعها.
فالمطلوب في نهاية المطاف، حتى يكون المجتمع سليماً وصحياً وفاعلاً، التوافق بين جميع الآراء أو أغلبها خدمة للصالح العام.
دور المعارضة، إذاً من حيث المبدأ، مهم ولا يجب إنكاره أو تهميشه.
لكن أي دور، وكيف؟ حتى تكون المعارضة فاعلة وإيجابية في دورها، لا بد من توافر عدة عناصر في أسلوب تعبيرها عن آرائها وفي نهجها، منها: أولاً، فهم دقيق وعميق لآراء ومواقف الغير واحترام صادق وتقدير حقيقي لها، وإدراك لنقاط قوتها وأبعادها المختلفة، دون أي اختزال أو تقليل من شأنها ودون الرفض لمجرد الرفض.
ثانياً، دراسة مستفيضة وتحليل رصين لآراء الغير ومواقفهم ونقد محترف يقوم على تحديد نقاط الضعف أو القصور أو الفراغات التي لم تُسدّ، ورصد ذلك بمنهجية علمية محترفة، تكون أساساً للموقف أو الرأي المدروس التي ستتبناه المعارضة في تصديها لقضية أو فكرة أو مشروع ما.
ثالثاً، تقديم رأي مختلف عن رأي الغير يكون واضحاً ومحدداً ويطرح الخيار والبديل المقنع ويقدم كبرنامج مدروس مفصل يحلّ محل رأي أو موقف أو برنامج الغير.
هذا هو الأصل في موقف المعارضة ونهجها، حتى تكون معارضة إيجابية بناءة هدفها الصالح العام، والمساهمة في بناء الوطن وتقدمه.
الذي يحصل عندنا، في معظم الأحيان لا كلّها، أن المعارضة تقتصر على دور الرفض لآراء الغير أو مواقفهم أو مشاريعهم دون فهمها فهماً عميقاً ودراستها دراسة رصينة ودون إعطاء البديل أو اقتراح الخيار.
وهذا أسهل ما يمكن فعله، ولا يفيد في شيء، سوى التشويش وخلق التوتر وافتعال الأزمات التي تربكنا وتشدنا للخلف.
المطلوب، حتى نكون في حالة مجتمعية صحيّة صحيحة تشكل الأرضية الصلبة التي ننطلق منها في التخطيط للمستقبل وفي التقدم والازدهار، أن يكون نهج المعارضة وأسلوبها ناضجين مؤسسين على الأبعاد الثلاثة المذكورة أعلاه: الفهم العميق، والنقد الدقيق، والبديل المقنع.
وبعكس ذلك نبقى ندور في حلقة شريرة مغلقة تؤذينا أيما إيذاء.