يكون المجتمع صحياً عندما ينسجم الأفراد مع مُثُلِهِ وقِيَمِهِ، وعندما يكون الانسجام أو التناغم مجسداً في أقوال الناس وأفعالهم معاً.
فقول الشيء مهم، لكن الأهم هو العمل بالقول والالتزام به.
ومن المهم التّنبه هنا أننا عندما نتحدث عن الانسجام أو التناغم أو الالتزام، فإننا نتحدث عن نسبة كبيرة منه، لا عن نسبة كاملة، فلا يوجد مجتمع على وجه الخليقة يلتزم أفراده بقِيمه ومُثله مئة بالمئة، وإلا لكان هذا المجتمع مجتمعاً مثالياً.
ومن الصعوبة بمكان تحديد النسبة من مئة التي إن حققها المجتمع أو زاد عنها يكون مجتمعاً صحياً، وإن قلّ عنها يكون غير صحي، لكن المبدأ الذي يمكن اعتماده هو المبدأ النسبي، أي كلما ارتفعت النسبة ازدادت صِحيّة المجتمع وسلامته ورفعته.
بالمقابل، يكون المجتمع غير صحيّ عندما لا يكون هنالك انسجام والتزام، بالقول والفعل معاً، بين ممارسات مُجمل الأفراد فيه ومُثُل المجتمع وقِيمه.
وإن كان الانسجام على مستوى القول دون الفعل، فلا تكون نسبة الانسجام لصالح المجتمع مهما علت.
والسؤال المهم هنا، أين مجتمعنا من هذا؟ والحقيقة أن الصورة أكثر تعقيداً مما نظن للوهلة الأولى.
فهي تتعدد وتختلف وتتباين بتعدد القضايا والمواقف والسياقات، وتعدد القِيم والمُثل نفسها.
فهنالك نسب مرتفعة بشكل ملحوظ في بعض السياقات، تجعل من مجتمعناً صحياً وإيجابياً ومثيراً للإعجاب؛ وهنالك نسب منخفضة بشكل ملحوظ في سياقات أخرى تجعلنا نقلق قلقاً شديداً على وضع مجتمعنا.
من الأمور المثيرة للإعجاب، والتي ينال مجتمعنا عليها نسباً مرتفعة، موضوع التكافل والتضامن مع أفراد العائلة والعشيرة والحيّ؛ إذ كلما اقترب الناس من دائرة الفرد، كلّما كان أكثر اهتماماً بهم والتفاتاً إليهم.
ومن الأمور الإيجابية كذلك، الشعور الوطني والقومي، وبالذات في المواقف الحرجة أو الصعبة التي يكون الوطن أو تكون الأمة بحاجة لوقفة أبنائها، كأن يتم التطاول أو الاعتداء عليه، أو على دولة شقيقة، من قوى خارجية.
وهنالك موضوع الشهامة والكرم وعزة النفس والأنفة والنخوة وغيرها، وكلّها يُسجَّل لمجتمعنا عليها، أفراداً ومجموعات، علامات عالية.
بيد أن هنالك نسباً منخفضة في سياقات أخرى، مثل الالتزام بالقوانين والإخلاص في العمل والحفاظ على البيئة والاستجابة للمبادرات المجتمعية واحترام المساحات العامة والأمانة العلمية، وغيرها كثير.
والمبدأ المُتحكِّم في الأداء هنا هو المذكور أعلاه ذاته: كلّما اقترب الأمر من دائرة الشخص، كلما كان اهتمامه فيه والتزامه به أعلى، وكلّما بعد كلما قل الاهتمام والالتزام.
والمحزن هنا أن الفضاء المجتمعي العام يُعدّ بعيداً من قبل العديد من الأفراد، ومن هنا يقل اهتمامهم به واكتراثهم له.
من هنا تأتي الاعتداءات على البيئة ومخالفات قواعد المرور والغش في الامتحانات، وغيرها من ممارسات سلبية.
المطلوب من الجهات المعنية ومن المختصين إجراء دراسات معمقة لسلوك الأفراد في السياقات المتعددة بهدف وضع الحلول الكفيلة بتعظيم الإنجاز الإيجابي المرتفع، ورفع الإنجاز المنخفض.
بمعنى آخر، المطلوب سبر غور التفاصيل، والتوقف عن إطلاق الأحكام العامة، فوضع مجتمعنا أعمق وأعقد مما يصوره لنا البعض أحياناً.