خولة لطفي عبد الهادي - حدثت خلال العقدين الماضيين الكثير من التغييرات الإدارية والاجتماعية والثقافية حول العالم، وساهمت العولمة والتكنولوجيا ووسائل الاتصال في تلك التغييرات في جميع مناحي الحياة، ومن أهمها التربية والتعليم. وقد أدت جميع هذه التغييرات والتحديات إلى ظهور نظريات جديدة في القيادة التربوية سعياً إلى ايجاد نماذج قيادية فاعلة وقادرة على مواجهة المرحلة الجديدة التي يطالب الناس فيها بالتغيير. ومن أهم تلك النظريات التربوية القيادة التحويلية.
*ماهي القيادة التحويلية؟ هي نمط إداري وقيادي يقوم القائد التربوي من خلاله باتباع جميع الإجراءات لدعم تطور الأفراد العاملين معه وطلبة المدرسة، بحيث تتاح لهم الفرص المتساوية لتطوير ممارساتهم وصفاتهم القيادية.
والقيادة التحويلية تتناسب بشكل خاص مع الإدارة المدرسية، كما أنها تتناسب مع العصر الحالي الذي يعج بالتغيير. ومن ميزاتها احترام تفكير وعقول جميع العاملين وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتنمية الرغبة لديهم للتطور وتطوير مؤسستهم التربوية وتشجيعهم لأن يصبحوا قادة تربويين، وتمكينهم من الوقوف معاً لمواجهة التحديات بدلاً من الجلوس وانتظار التعليمات من المسؤولين. والقيادة التحويلية نمط غير تقليدي للإدارة المدرسية، حيث يهدف القائد التحويلي إلى إحداث تغييرات ايجابية في الأفراد مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الخاصة بينهم. ويعمل القائد التحويلي على رفع الروح المعنوية للأفراد ويزيد من دافعيتهم للعمل في جميع المستويات الوظيفية حتى تتحقق جميع الأهداف المشتركة، ويتحقق الهدف الأسمى وهو تطوير الجميع إلى قادة تربويين.
*خصائص وسمات القيادة التحويلية:
• تنبثق القيادة التحويلية من القيم والأخلاق التربوية والمجتمعية الأصيلة، والتي يتم اشتقاق رؤية المدرسة ورسالتها وأهدافها منها. كما أنها تعمل من خلال خططها المختلفة على إعلان ونشر تلك القيم والأخلاق والتمثل بها في المواقف التربوية من قبل جميع العاملين والطلبة في المدرسة. كما تكون تلك الأخلاق والقيم بمثابة الدستور والمرجع الذي يُحتكم إليه عند اتخاذ القرارات الهامَة.
• منع الممارسات الجائرة والظالمة، ومعاملة الجميع بالعدل والمساواة والاحترام ودون تمييز، وإظهار الشجاعة والمثابرة لتطوير ذكاءات العاملين والطلبة بأنواعها المختلفة، وتمكينهم من تخيل الاحتمالات المختلفة ومن رؤية المستقبل بنظرة ثاقبة، وكيفية تحويله لوضع أفضل من الحالي.
• القائد التحويلي يكون واعياً بالتوقعات والافتراضات المستقبلية، وقادراً على قياس نتائج الأعمال وفعاليتها. وهو يمارس التأمل الذاتي بالقرارات التي يتخذها، ويتأمل بالقيم والمعتقدات والخبرات ليضع أحسن السبل لتطويرها والاستفادة منها. كما أنه يحقق الشروط المناسبة لتغيير الأفراد من خلال تحفيزهم وإثارة دافعيتهم وبناء قدراتهم وباستخدام أسلوب النمذجة ليتولوا زمام القيادة في المدرسة. وهو يقدم لهم التشجيع المعنوي ويحتفل معهم بإنجازاتهم.
• القيادة التحويلية تتطلب أن يكون كل من بالمدرسة قائداً تربوياً. والقائد التربوي ينبغي أن يركز على معايير الأداء، وعلى أن يكون العمل اليومي في المدرسة في أعلى مستويات الجودة. والقادة التربويون يسألون عادة أسئلة مهمة وصعبة عن الثقافة والإنجاز ويدفعون قُدماً نحو الفرص المستمرة للإنجاز من خلال تمثلهم لقيم التعاون والمشاركة والتكامل. وهم يبحثون دوماً عن الفرص والتجارب الجديدة، ولا يمانعون من ركوب الأخطار من أجل تحسين مؤسستهم التربوية.
• تكون عملية اتخاذ القرارات في ظل القيادة التحويلية عملية ديمقراطية كاملة ويكون تبادل الأدوار في القيادة بشكل دوري، بالإضافة إلى تبادل المناصب الإدارية، بحيث تكون الأدوار والمسؤوليات واضحة ومعلنة للجميع. ويتشارك أعضاء الهيئة التدريسية بالتخطيط للأعمال الهامَة من فنية وإدارية، مع أهمية مشاركة الطلبة في جميع المجالس والفرق واللجان الإدارية، بالإضافة إلى مشاركة أولياء الأمور وأفراد ومؤسسات المجتمع المحلي، والذين يمكن توكيلهم بمهمات قيادية من خلال تلك المجالس حيث يشاركون باتخاذ قرارات هامة تتعلق بالمدرسة وتدعم رسالتها وأهدافها.
• الرؤى والرسالة المشتركة: يجب الاستماع لجميع أعضاء الهيئة التدريسية عندما يتعلق الأمر ببيئة التعلم المدرسية. ويجب ترجمة الرؤية والرسالة المشتركتين إلى ممارسات يومية. وينبغي توفير الفرص المتكررة والمتساوية للجميع لإبداء التعاون لإنجاح المدرسة ومواجهة التحديات التي تواجهها وفي تقييم نتائج أعمالها بحيث يظهر حينها مدى اتساق الرؤية والرسالة مع أهداف المدرسة وإمكاناتها. ويجب أيضاً، من وقت لآخر، مراجعة الرؤية والرسالة والتعديل عليهما بحيث تبقيا حديثتان وذواتا معنى في حياة المدرسة.
• يقوم المديرون والمعلمون القادة بالعمل معاً في تبادل الخبرات وعقد الأنشطة التربوية المختلفة بهدف التطور المهني داخل المدرسة. كما أنهم يستفيدون من الفرص الخارجية للتطور المهني. كما يشارك الطلبة القادة ببرامج إثراء المنهاج مع المعلمين والمديرين. وجميع من في المدرسة يتعاون ويشارك في المهام الإدارية المختلفة وحفظ الانضباط المدرسي. وبذلك تكون القيادة في المدرسة عامَة ومنتشرة وشفافة.
• يضم المجلس المدرسي ممثلين عن جميع الفئات المعنية بعمل المدرسة من معلمين وأولياء أمور وأفراد ومؤسسات المجتمع المحلي والطلبة. وتكون مهام المجلس المشاركة في وضع رؤية المدرسة ورسالتها وأهدافها، والمشاركة في بناء خططها والمساهمة في الإشراف على عمل المدرسة وتقييمه والمشاركة في العمليات المدرسية من تعليم وأنشطة وفعاليات متنوعة.
• يشارك الطلبة القادة بأعمال المدرسة وقراراتها من خلال الحكومات الطلابية واللجان المختلفة. كما ينبغي أن يشارك الطلبة في عملية تعلمهم وفي إدارة شؤونهم. ذلك لأن القيادة التحويلية تؤمن بأن لدى الأفراد قدرات متنوعة ويجب تفعيلها. فالطلبة ليسوا مجرد متلَقين، ويجب العمل على تنمية قدراتهم من خلال تدريبهم على تحمل مسؤولية تعلمهم والمشاركة الفاعلة في عمليات التعلم. وكلما نمت قدرات الطلبة وكفاياتهم كلما تحسنت اختياراتهم وأصبحت لديهم قوة أعظم للسيطرة على مستقبلهم من خلال التعليم.
[email protected]