النائب د. فايز بصبوص
إننا ومن موقعنا العروبي نهنئ العراق الشقيق بإجراء انتخاباته النيابية، والجمهورية التونسية بتشكيل حكومتها، ونتمنى أن يستطيع السودان تجاوز أزمة موانئه في الشرق، ونتمنى أيضا كل الخير والاستقرار للبنان الشقيق، ونعرب عن أملنا المستدام في استقرار الجمهورية العربية السورية وإعادتها إلى الحضن العربي، ونقدر تقديرا عاليا موقف الكنائس الأردنية في الأردن وفلسطين التي استنكرت الاعتداءات على المقابر الإسلامية واعتبرتها إحدى حلقات مشروع التهويد الصهيوني.
كل ذلك نصبو إليه وندعمه ونساهم في تحقيقه، لكن محورة الإعلام العربي حول هذه البلدان في الشرق الأوسط وتغييب أكثر المراحل خطورة على القضية الفلسطينية، فهو إما يجسد عدم فهم حقيقة ما يحصل من خطورة التطورات على القضية الفلسطينية، أو تغييبا لصالح استكمال الضم الناعم للمسجد الأقصى كما يعلن عنه بعض المغرضين هنا وهناك.
نقول ذلك لأن ما يحصل من تطورات متسارعة وإنجازات متكاملة للكيان الصهيوني على مشروع الضم يغيب كليا عن مفهوم مركزية القضية الفلسطينية عن إعلامنا العربي الذي نحترمه ونقدره..
فبعد ما قام به الكيان الصهيوني من ترسيخ مفهوم تقسيم الزمان والمكان للمسجد الأقصى وإقامة قطعان المستوطنين بالصلاة الصامتة، رغم ما أصدره الكيان الصهيوني من خلال محكمته العليا برفض هذا المشروع، وتطور موضوع الاحتفالية التي تقام على مقبرة مأمن الله التي تقع غرب المدينة القديمة، التي تعتبر أشهر وأكبر المقابر الإسلامية في فلسطين وتحتضن رفاة الشهداء من بعض صحابة رسول الله، هي أقدم مقبرة في فلسطين، إضافة إلى التجريف الحاصل في المقبرة اليوسفية حول المسجد الأقصى واستكمال مشروع ضم سلوان والطور والشيخ جراح والاعتداءات المتكررة على كل من يدافع عن حرمة وطهارة المسجد الأقصى من اعتقالات وتضييق وحرمان من الدخول كما حصل مع الشيخ عكرمة صبري والتغول غير المسبوق على الحركة الأسيرة الفلسطينية لإجهاض مكتسباتها التاريخية وعدم الاستجابة للمضربين الفلسطينيين الموقوفين إداريا وتدهور أوضاعهم الصحية بشكل غير مسبوق وبخاصة الأسيرين ضراغمة والفسفوس، وإعلان رئيس وزراء الكيان الصهيوني استكمال مشروع ضم الجولان، وإعلان بناء تسعة وتسعين وحدة استيطانية في «مستعمرة ترمب» المشؤومة.
كل هذا مشهد يقابله مشهد غاية في الغرابة، ما تسربه الصحافة الصهيونية من أن هناك بوادر اتفاق بين حركة حماس و(م.ت.ف) ومصر من أجل شرعنة مشروع التهدئة المستدامة بتشكيل وحدة وطنية وذلك لاستكمال مشروع إعمار القطاع، الذي تشرف عليه جمهورية مصر العربية بتمويل قطري.
هذا المشهد المغاير لما يحدث في الضفة، الذي تنبأت به بشكل استثنائي، كعادتها الدبلوماسية الأردنية في تحرك دبلوماسي لافت يوضح مدى أهمية التبعات الكارثية للاستفراد بالضفة الغربية من خلال مشروع الضم الناعم والمتدرج لمداخل وبوابات المسجد الأقصى والذي كان أول من سلط الضوء على مشروع التقسيم الزماني والمكاني من خلال الأدوات الاستيطانية والاقتحامات المتكررة.
إذن، نحن أمام مشهدية تترجم ما ذهب إليه مشروع (صفقة القرن)، ولكن بأدوات ناعمة وبتوظيف حقيقي وواضح لتطورات الأزمات الإقليمية والدولية كما أسلفنا في العراق ولبنان وتونس والسودان، وصولا إلى الأحداث في أفغانستان، هذا التوظيف هو ما جعل الكيان الصهيوني وبشكل متسارع يفرض أمرا واقعا جديدا يترجم ما ذهبت إليه (الصفقة المشبوهة) ولكن دون أي جلبة إعلامية.
إن خلق توازن بين مفهوم الجزرة لغزة، والعصا للضفة، والحركة الأسيرة، يجب أن يتمحور حوله الإعلام العربي والأردني ومدى خطورة التماهي مع مشروع التنمية مقابل التهدئة وتبعاتها.
ومن أكبر وأوضح تلك التبعات، التي حذر منها الأردن، ما ذهبت إليه اتفاقية الإطار بين (الأونروا) والولايات المتحدة الأميركية، التي أعلن الاتحاد الأوروبي موافقته عليها، والقائمة على التمويل مقابل المعلومات واستثناء اللاجئين الفلسطينيين خارج المخيمات من هذا الدعم.
هذا الاتفاق الذي تصدى له الأردن بشكل مسبق من خلال الرؤية الاستشرافية لجلالة الملك والإيعاز للدبلوماسية الأردنية بصياغة اتفاقية دولية حول الدعم المستدام غير الخاضع (لسياسة تسييس الدعم للأونروا) وهو ما سيترجمه الأردن خلال هذا الشهر بتوافق مع الدول الاسكندنافية (النرويج والسويد)، وبتماهٍ وإسناد من هيئة الأمم المتحدة.
والملاحظ تماما أن الإعلام الأردني، وبغض النظر عن الملفات الإقليمية الساخنة، إلا أنه يركز على ما يجري من استفراد صهيوني في الضفة، وبخاصة الحركة الأسيرة والاستهداف لمدينة جنين ومخيماتها، ومفاعيل الاعتداءات المتكررة على مدينة نابلس الأبية، ومعركة المقامات التي تجري في الخليل، علاوة عن موقفه الحازم اتجاه الاعتداءات على المسجد الأقصى.
لذلك، فإننا ندعو للتصدي لهذه المشاريع، وبخاصة التصدي لتغيرات البنية التحتية التي يحدثها الكيان الصهيوني في منطقة الأغوار، واستهداف رمزية قطاف الزيتون في معظم فلسطين المحتلة.
من هنا؛ فإننا نناشد الإعلام العربي، والأردني بخاصة، إلى إعادة بوصلته نحو مخاطر ما يحدث في فلسطين الحبيبة..