د. زيد حمزة
كانت المفاجأة سارة وكبيرة تلك التي زفتها لنا أنباء الصباح الباكر من يوم الخميس السابع من تشرين الأول الجاري إذ أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية وبابتهاج شديد نجاح لقاح ضد الملاريا بعد ثلاثين عاماً من البحوث والتجارب، وهي بشرى لفقراء العالم الذين يشكلون غالبية الملايين التي تصاب سنوياً بهذا المرض المُهلك ويموت منهم مئات الألوف من الأطفال جلهم في افريقيا..
ومعروف ان الملاريا عبر القرون استقرت كوباء متوطن وضيف ثقيل على الشعوب المفقَرة أصلاً في مناطق عديدة من آسيا وإفريقيا، لذلك بقيت موضوعاً دائماً على جدول اعمال منظمة الصحة العالمية ولا تكاد تخلو كلمة من كلمات وفود الدول المختلفة من الإشارة لأخطارها وضرورة التوصل للقاح للقضاء عليها، ولقد ازداد هذا الإلحاح كثيراً بعدما احتفلت المنظمة عام ١٩٨٠ بنجاحها التاريخي المدوّي في القضاء على وباء الجدري المميت وإزالته من «وجه الكرة الارضيّة» بفضل التطعيم الشامل للعالم، وها نحن اليوم نشهد انتصار العقل البشري الخلاق بإنتاج مصل الملاريا المنقذ للحياة والبديل للإنفاق الكبير المتكرر على الأدوية قليلة الجدوى التي لا يستطيع ملايين الفقراء الحصول عليها باستمرار لارتفاع أسعارها..!
من الجدير بالذكر ان الاردن كان من أوائل الدول التي نجحت في مكافحة الملاريا واصبحت منذ سبعينات القرن الماضي نظيفة منه كمرض متوطن وذلك بمجرد استخدام الوسائل الوقائية البسيطة التي كانت متوافرة آنذاك كتجفيف المستنقعات ورش المبيدات الحشرية للتخلص من البعوض الناقل خصوصاً في اغوارنا، والاهم من ذلك ومن اجل المحافظة على ما تحقق بقي قسم مكافحة الملاريا في وزارة الصحة حتى اليوم يقوم بنشاطه تابعاً لمديرية الرعاية الصحية الأولية التي لم تتخل الوزارة عنها قط رغم التدخل المتكرر وغير الخبير في شؤونها وآخر الأمثلة ما جرى قبل سنة تظاهراً بمزيدٍ من الاهتمام بالأوبئة والأمراض السارية حيث استُحدث مركز لمكافحتها من نوع «المستقل ماليا وإداريا» وخُصصت له عمارة كبيرة جُهزت بالمكاتب والكوادر دون اي عمل معيّن اللهم الا ارباك المشهد امام باقي اجهزة الوزارة المعنية بهذا الشأن والتي لم تتوقف يوماً عن القيام بمهامها وأثبتت كفاءةً عالية فاخرنا بها اثناء جائحة الكورونا، ورغم محاولة إغراق الوزارة بالإنفاق الباذخ غير الضروري على انشاءٍ عشوائي للمستشفيات المكلفة خدمةً لسياسة الخصخصة القابعة وراء ستار، ثم إشغالها عن مهامها الاساسية كقطاع عام وبأشكال مختلفة في خدمة السياحة العلاجية التي هي بالدرجة الاولى مهمة القطاع الخاص!
وبعد.. ما زال أمام البشرية تحديات كبيرة تتمثل في القضاء عَلى أمراض خطيرة كالسل والإيدز اللذين يفتكان بالفقراء وذلك بصنع مطاعيم مضادة لها، قليلة الكلفة عميمة النفع والتأثير بدلاً من اعتماد السياسة التي تروٌج لها صناعة الادوية والمستلزمات الطبية العالمية(!)، ولا يزال الأمل متوهجاً في قلوب وعقول العلماء والباحثين.. الأخيار.