كتاب

الإجراء الطبيعي.. عودة العلاقات مع سوريا 

بعد أن شارفت الحرب في سوريا على الانتهاء وأعادت الدولة السورية سيطرتها على كافة المنافذ الحدودية أقله مع الاردن، لا يوجد أي مانع من عودة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع سوريا، خصوصاً وأن الاراضي السورية كانت على الدوام منفذاً حيوياً مهماً لتجاراتنا مع أوروبا، كما كانت الاراضي الأردنية ممراً تجارياً مهماً لسوريا وتركيا ومن خلفهما أوروبا الى دول الخليج.

في عالم السياسة، تحكُمْ تحقيق المصالح الاستراتيجية للدول علاقاتها مع الدول الاخرى، وكم من دولة جيشت إعلامها وفضائياتها ومقدراتها ضد أخرى من أجل مصالحها، وعند تغير المعادلات تعود العلاقات كما كانت وكأن شيئاً لم يحدث، فالمواقف السياسية قابلة للتغيير وإعادة التموضع وفقاً للمصلحة الاستراتيجية للدول، خصوصاً عندما يتعلق الامر بملفات ضاغطة تحتاج الى حلول سريعة، مثل موضوع اللجوء السوري للأردن وضرورة عودة 1،2 مليون لاجئ في الاردن الى بلدهم بأسرع وقت ممكن، وأمن الحدود، وعودة الحياة للطريق البري الى لبنان وتركيا وأوروبا بالنسبة للأردن.

الاجراء الطبيعي الآن بعد التطورات على الارض في سوريا عودة الامور الى طبيعتها، فالكل يسير الى الامام، والاردن حوصر من جهة الحدود الشمالية لأكثر من عشر سنوات، كما إستُنزِفَ أمنياً بسبب التحديات الامنية الكثيرة وغياب الدولة السورية عن حدودها طوال تلك المدة، لوجود ميليشيات مسلحة وتنظيمات راديكالية متطرفة، مدعومة من دول إقليمية، وهذا بحد ذاته سبب كاف لإعادة العلاقات بأسرع وقت ممكن، طالما أن الهدف تحقيق مصالحنا التجارية والاقتصادية التي تضررت كثيراً ولم تعد تحتمل المزيد من الخسائر.

أيضاً، لا يمكن تغافل أهمية العراق وسوريا بالنسبة للأردن، وبالعكس، فهذه الدول الثلاث مصلحتها تقتضي التعاون والتكامل والتنسيق الكامل، حيث يمكن أن تشكل قوة إقليمية تمنع أي تدخلات أو اختراقات أمنية أو سياسية لهذه الدول، خصوصاً إذا ما إمتد هذا التعاون ليشمل أيضاً مصر وفلسطين، لحماية مصالحها أولاً والمحافظة على الحقوق الفلسطينية ومنع إسرائيل من الإمعان في قضم هذه الحقوق والتنكيل بالفلسطينيين على مرأى ومسمع من العالم.

ميزة الدولة الاردنية، سهرها ومثابرتها وتطويع الظروف الصعبة من أجل خدمة قضايا ومصالح الشعب الاردني، الذي عاني الامرين نتيجة الاوضاع الاقتصادية والظروف القاهرة المحيطة به من كافة نطاقه الجغرافي، وما عملية التطوير والتحديث السياسي العميق والاقتصادي المتسارع، ومقتضيات المرحلة السياسية المقبلة، بتنفيذ مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إلا جزء اساسي من رؤية الملك لمستقبل البلاد.

وطوال الحرب التي عاشتها سورية مُرغمةً، تحت شعار ما سُمي بـ «الربيع العربي»، بقيت الحدود الشمالية بمجملها آمنة رغم محاولات تهريب المخدرات واستهداف مواقع كـ'حدودي الركبان»، والذي راح ضحيته ستة من أبناء أجهزتنا الامنية الباسلة، لكن بالنظر للمدة الزمنية الطويلة بقيت الحدود في وضعها الطبيعي، وكم كانت معاناة سكان الشمال وهو يرون الحرب أمام ناظريهم في درعا وغيرها من القرى الحدودية، لا بل أن بعض القذائف والصواريح طالت مدن وقرى أردنية وأوقعت شهداء، فهل هذا سبب غير كاف لعودة العلاقات والامن والحدود الى طبيعتها.

بالنهاية للأردن مصلحة بوجود دولة سورية قوية على حدودها تحفظ أمنها وترعى مصالحها وأمن ومصالح مواطنيها، ولنفترض ان الوضع السياسي تغيّر هناك، فما هو البديل غير الفوضى التي ستكون نتائجها كارثية على السوريين وعلى جوار سوريا، خصوصاً وأن هناك مصلحة لدول في المنطقة بالفوضى في سوريا وتصدير الازمات اليها، فالاجدى التعامل مع الدولة في سوريا، خصوصاً وأن لنا تجربة مريرة في العراق عندما غُيبت الدولة بقرار سياسي، وسمح بتحويل الاراضي العراقية الى ساحة حرب إقليمية ودولية، لا زال العراق الشقيق يعاني منها حتى الان.

بالمجمل، إن ما يجمعنا مع سوريا أكثر بكثير مما يفرقنا، ولدينا تاريخ اقتصادي وسياسي حافل وملفات كثيرة يجب حسمها خلال الفترة المقبلة، كالمياه والطاقة والسياحة وتهريب المخدرات والنقل وقضايا أخرى كثيرة، فعودة العلاقات لها ابعاد سياسية وأخرى تاريخية استراتيجية لا يمكن التغاضي عنها، وليس أمام عمان ودمشق سوى خيار التكامل والاندماج والتعاون الوثيق، وبغير ذلك ستبقى المعاناة وتحكّم دول أخرى في الإقليم بمقدراتنا وقوت شعوبنا.. وحينها سنكون كمن يسير عكس التيار.

imad.mansour70@gmail.com