د. عدلي قندح
لا شك أن ما واجه البشرية والعالم جراء انتشار وباء كورونا يصل حد الكارثة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية العالمية، تركت ندباً عميقةً على وجه الانسانية تحتاج لسنين طويلة حتى تمحى آثارها. فكانت أقسى آثار الجائحة أن قضت على حياة 4.7 مليون شخص على مستوى العالم، وانزلت أكثر من 100 مليون شخص تحت خط الفقر، وعطلت أكثر من 200 مليون شخص عن العمل. فكانت هذه الجائحة أكبر بالون اختبار لقدرات النظم الصحية وصلابة اقتصادات الدول.
وقدر صندوق النقد الدولي تكلفة تلك الجائحة على الاقتصاد العالمي بحوالي 22 تريليون دولار، وهذا يعادل أكثر من ربع (27.5 بالمئة) الناتج المحلي العالمي.
فقد تراجعت معدلات النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3.2 بالمئة في عام 2020 بعد أن كان متوقعاً لها أن تنمو بنسبة 3.3 بالمئة. أما في هذا العام، فتشير التقديرات الى توقع أن يبلغ النمو الاقتصادي نسبة 6.0 بالمئة.
وفي مجموعة الاقتصادات المتقدمة، بلغ النمو في عام 2020 سالب 4.6 بالمئة، وتراجع ناتج الاقتصادات الرئيسة في أوروبا بنسب مرتفعة، بلغت سالب 8 بالمئة في فرنسا، وسالب 8.9 بالمئة في ايطاليا، وسالب 10.8 بالمئة في إسبانيا، وسالب 4.9 بالمئة في ألمانيا.
أما الاقتصاد العربي، الذي يصل حجم ناتجه المحلي إلى نحو 2.7 ترليون دولار، ويشكل نحو 3.1 بالمئة من الاقتصاد العالمي، فقد تراجع بنسبة 4.4 بالمئة عام 2020، متأثرا بالجائحة من جهة، وتراجع أسعار النفط من جهة أخرى.
وبذلك يقدر حجم خسائره من ناتجه عام 2020 ما يقارب 220 مليار دولار. وغالبية هذه الخسائر تحملتها اقتصادات الدول العربية الست الكبرى (السعودية والإمارات ومصر والعراق والجزائر وقطر) التي تستحوذ على نحو 77 بالمئة من اقتصاديات الدول العربية العشرين. وقدر حجم الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي في الأردن بحوالي 1.7 مليار دولار خلال العام 2020.
وتشير التوقعات إلى احتمالية نمو اقتصادات الدول العربية بنسبة 2.8 بالمئة عام 2021 مستفيدة من عدة عوامل من بينها استمرار الحزم التحفيزية الداعمة للطلب الكلي، إضافة إلى التوقعات بتعافي نسبي لمستويات الطلب العالمي والتجارة الدولية وللأسعار الدولية للنفط.
أما في الصين، وهي النقطة التي انتشر منها الوباء، فتشير البيانات إلى نمو الاقتصاد الصيني، بمعدل موجب وصل الى 2.3 بالمئة عام 2020.
الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي انهار في عام 2020، منخفضا بنسبة 42 بالمئة إلى ما يقدر بنحو 859 مليار دولار من 1.5 تريليون دولار في عام 2019.
السلطات الحكومية على مستوى العالم تبنت مجموعة من الإجراءات والبرامج الاقتصادية وحزم الإنقاذ بهدف التخفيف من تداعيات أزمة كورونا، فتمكنت على إثرها من استعادة نشاط الدورة الاقتصادية ولو جزئيا. من أبرز الدروس والعبر التي يمكن الخروج بها جراء هذه الجائحة هي: ضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية والصناعة والمالية والنقدية بشكل دقيق وتقييمها لمعرفة أين أصابت، وأين أخطأت، وأين يمكن تصويبها لتحقيق أفضل النتائج، وبخاصة فيما يتعلق بالمزيد من الاعتماد على الذات في قطاعات حيوية مثل الطاقة والمياه والزراعة والغذاء. ولا بد من تفعيل السياسات والأدوات المالية والنقدية بما يحقق زيادة في معدلات النمو الاقتصادي التي تنعكس على دخول ورفاهية الأسر والأفراد، وزيادة معدلات التشغيل. ولا بد أيضا من البحث عن أفضل السبل لاستغلال الموارد المتوفرة بشكل أفضل. وضرورة تبني خطط استراتيجية عابرة للحكومات، ومشاريع تحول في كل قطاع لنقل الاقتصاد إلى مراحل متقدمة تجعله منافساً في منتجاته التصديرية والخدمية.
ولا بد أيضا من تسريع التحول للاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر بكل ما يحمله المصطلحان من معان. أما سياسات التعليم المدرسي والجامعي، فهي بحاجة لجراحة عميقة لضمان تزويدها للاقتصاد بمخرجات تعليم مناسبة تتلاءم مع التحولات الجذرية التي تجري محليا وعالميا.